لعبة شد الحبل الصينية حول الحرب في أوكرانيا ... هل تحسمها العلاقات الاقتصادية بين بكين وموسكو؟
قال الرئيس الصيني شي جينبينغ الأربعاء 24 مايو إن دعم بلاده لمصالح موسكو الأساسية ثابت، وأضاف خلال اجتماع عقده مع رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين أن البلدين عززا تعاونهما الاقتصادي والدبلوماسي في السنوات الأخيرة كما ازداد تقاربها منذ بدء الحرب في أوكرانيا رغم إصرار بكين على أنها تلتزم الحياد تجاه النزاع. وفق بيانات صادرة عن الجمارك الصينية، تعد الصين أكبر شريك تجاري لروسيا إذ بلغت التجارة بين البلدين مستويات قياسية قدرت بـ 190مليار دولار العام الماضي. في غضون ذلك، يزداد حجم الاستثمارات بين البلدين بشكل مستمر أيضا، إذ تتطور المشاريع الاستراتيجية واسعة النطاق بشكل ثابت.
نشرت في:
هذا التعاون الاقتصادي في الظروف الحالية، يفسره البعض بمحاولة إنقاذ بكين لموسكو وإخراجها من عزلتها بعد القيود المالية والعقوبات الدولية التي فرضت عليها عقب هجومها على أوكرانيا. وفي الوقت الذي اتخذت فيه معظم الدول مواقف واضحة تجاه الحرب في أوكرانيا، إما بإدانة ما وصفته بـ"الغزو الروسي" أو دعم ما اعتبرته "حق روسيا في الدفاع عن نفسها"، وصف الموقف الصيني بـ"المتذبذب والغامض"، إذ فسر تارة بأنه ينحاز إلى موسكو، وتارة بـ"غير الموافق على اجتياح روسيا لأوكرانيا". أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ديجون الفرنسية، عبد الرحمان مكاوي، أرجع ذلك في حديث لـ"مونت كارلو الدولية" إلى طبيعة العلاقات الاقتصادية بين بكين ومختلف الأطراف المتنازعة، وسعي المسؤولين الصينيين لاستثمار الأزمة لتعزيز موقفهم في الساحة الدولية والحافظ على الشراكة الاقتصادية التي تربطهم مع مختلف الدول، وقال إن "الصين تحاول التوفيق بين مصالحها مع روسيا من جهة ومع الدول الغربية من جهة ثانية، خاصة فيما يتعلق بمقتنياتها من الغاز والبترول، وبالنظر في حجم المبادلات مع مختلف الأطراف في هذا المجال، نجد أن حجم مبادلات الصين مع الغرب يقدر بـ 1200 مليار دولار في حين لا تبلغ هذا الحجم مع روسيا، واعتبارا لذلك بالأساس، لن تضحي بمصالحها الاستراتيجية من أجل الروس، بقدر ما ستحاول التوفيق بينها بشكل براغماتي يحفظ استمرار علاقتها مع جميع الأطراف".
خلال اجتماع يوم الأربعاء 24/5، وقع المسؤولان الصيني والروسي مذكرات تفاهم ترمي إلى تعزيز التعاون الاستثماري في الخدمات التجارية بين بلديهما واتفاقية خاصة بتصدير المنتجات الزراعية إلى الصين واتفاقية أخرى حول التعاون الرياضي.
حسب وكالة أنباء إنترفاكس فإنه من المتوقع أن تزيد شحنات الطاقة الروسية إلى الصين بنسبة 40 بالمئة هذا العام. وأضافت أن البلدين يبحثان تصدير معدات تكنولوجية إلى روسيا.
لا يمكن تحديد موقف الصين تجاه ما يحدث في أوكرانيا بشكل واضح. إذ يرى محللون أن سلطات بكين تتعمد تجنب أي مشاكل محتملة يمكن أن تتمخض عن تدخلها في الأزمة الأوكرانية. في هذا السياق، يبدو موقف المسؤولين، خلافًا لتصريحات وسائل الإعلام الأوروبية حول "الدعم غير المشروط للمسار الروسي"، دقيقًا وحذرًا ولا يتجاوز الاتفاق الرسمي مع المقترحات الروسية المعلنة ويدعو الأطراف إلى العودة إلى طاولة المفاوضات.
حسب مراقبين فإن أحد الأسباب الرئيسية وراء موقف الصين هو الحاجة إلى تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وكذلك الحفاظ على التوازن في الحوار مع ثاني أكبر شريك تجاري، الاتحاد الأوروبي. إذ لن تؤدي أي مساعدة كبيرة لموسكو إلى تفاقم الصراع بين واشنطن وبكين فحسب، بل قد تثير أيضًا رد فعل فوري من الاتحاد الأوروبي، وتقنع السياسيين الأوروبيين أخيرا أن "تحالفا استبداديا قويا" آخذ في الظهور، مما سيحرم الصين من مجال المناورة.
من جهته، أكد الصحفي الصيني نادر رونغ هوان أن الموقف الصيني يتسم بالحياد وعدم ترجيح كفة طرف على حساب آخر، مضيفا أن بكين تدعم السلام وتبذل أقصى جهودها لإنهاء الحرب وإنجاح الوساطة.
وتعليقا على تنامي التعاون الاقتصادي بين البلدين، قال المتحدث لـ "مونت كارلو الدولية" إن موقف الصين من فرض العقوبات مغاير لموقف الدول الغربية، فهي تنحو نحو الانفتاح التجاري وتعارض العقوبات أحادية الطرف والتي لم تحصل على تأييد من مجلس الأمن والأمم المتحدة، وكل ذلك في إطار الاحترام المتبادل.
من جهة أخرى، أكد هوان أن علاقات بكين وموسكو لا تتأثر ولا تخضع لإملاءات أي طرف ثالث، ولكنها تتمتع بالاستقلالية، مع الحفاظ على التوازنات الإقليمية والدولية، معيدا التذكير بتشبث الصين ببذل أقصى جهودها لإنهاء الحرب في أوكرانيا مدللا على ذلك بمعارضتها بيع أي أسلحة لأوكرانيا أو روسيا وتعتبر ذلك سببا يساهم في تمديد الحرب ويؤجج النزاع، نافيا في الوقت ذاته أن تكون بكين قد باعت يوما لروسيا عتادا عسكريا أو ذخيرة، معتبرا الأمر نوعا من الدعاية الرامية إلى التشويش على دور بلاده البناء، وفق وصفه.
في هذا السياق يضيف مكاوي مفسرا تعامل بكين الحذر مع الأزمة: "أعتقد أن الصين ستحاول مستقبلا بناء وساطتها الخاصة بناء على مخرجات ونتائج ما يمكن أن تتوصل إليه روسيا وأوكرانيا في بيلاروسيا وتركيا حيث جرت مفاوضات ومباحثات بينهما" مشيرا إلى أن "الصين ستتدخل في مرحلة معينة لإيقاف الاجتياح الروسي، بما يمكنها من ربح سوق أوكرانية جديدة، وفي الوقت نفسه إرضاء الغرب الذي يعتبر غير مستعد لمواجهة روسيا عسكريا، في الوقت الراهن على الأقل".
عطفا على ما سبق، يقول الأستاذ الجامعي إن الصين لديها مصالح كبرى مع الدول الغربية ومصالح أقل مع روسيا، وهذا الاتفاق الاستراتيجي يفرض عليها ألا تصل بها هذه الشراكة للتضحية بمصالحها مع الغرب".
وتدليلا على موقفه، يسوق المتحدث تصريحات المكلف بلجنة الخارجية في البرلمان الصيني وتأكيد عزم بلاده على إيجاد حل للنساء في أوكرانيا، مفسرا ذلك بانعدام ثقة بكين في النظام الروسي رغم مصالحهما المشتركة.
يرى مراقبون أن كلا من الحزب الشيوعي الصيني والكرملين يستخدمان أدوات حكم عسكري ودعائم اقتصاد تقليدية بهدف تعزيز مصالحهما على الصعيد العالمي والحفاظ على قبضتهما على السلطة. زادت الصين من الانتشار البحري في المحيطين الهندي والهادئ لتوسيع وحماية مجال نفوذها المزعوم. وعلى نفس النهج، غزت روسيا أوكرانيا بهدف استبدال الحكومة الحالية بأخرى تابعة لها.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك