هل تعيق المصالح تنظيم انتخابات في ليبيا؟
نشرت في:
على بعد حوالي شهرين من الموعد المحدد لتنظيم انتخابات في ليبيا، تتوالى تصريحات المسؤولين ولقاءاتهم، وتنعقد الاجتماعات الدولية للتباحث حول مسار "المصالحة"، وسط تشكيك الكثيرين في إمكانية نجاح مسار تعتريه العديد من العيوب وتتشابك خيوطه وأطرافه بشكل بات من الصعب التعويل على جهود جهات لدى جلها ارتباط مصلحي بالملف الليبي. فإنهاء الصراع في ليبيا يحتاج إلى اتفاق حول قضايا عدة، ليس أولاها تنظيم الانتخابات واحترام نتائجها، ولا آخرها خروج المرتزقة من البلاد وإيقاف العنف المسلح.
يعول الليبيون على السلطة الليبية المتمثّلة في رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ونائبيه، كي تنهي الانقسام السياسي في البلاد وتشرف على المرحلة الانتقالية إلى حين حلول موعد الانتخابات المقرّرة في 24 كانون الأول/ديسمبر المقبل، وذلك على ضوء خارطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة.
ويؤكد العديد من المسؤولين الدوليين أنهم باتوا يعولون على تلك الانتخابات لتحقيق تقدم ملموس في مسار التوجه نحو حل سياسي في ليبيا. وقد شددت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، خلال لقائها في ليبيا برئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، وعضوي المجلس الرئاسي، موسي الكوني وعبدالله اللافي، على ضرورة إجراء انتخابات في الوقت المحدد.
غير أن الكثير من الشكوك باتت تطغى على الحديث عن تلك الانتخابات، خاصة بعد الجدل الذي أثارته الخلافات حول المعايير القانونية والدستورية المنظمة لها، في ظل حديث عن أن الانقسامات بين شرق البلاد وغربها لا تزال قائمة وبحدة، وترخي بظلالها على إمكانية المصالحة عبر صناديق الاقتراع.
ويرى العديد من المراقبين أن الانتخابات المقررة هي بعيدة المنال في ظل الشروط التي يتم خلالها التحضير لها. ويؤكد صلاح البكوش، المستشار السابق بالمجلس الأعلى للدولة الليبية، في حوار مع مونت كارلو الدولية، أن أي مراقب عقلاني للمشهد السياسي الليبي، يعرف أن احتمالات عدم تنظيم الانتخابات باتت أكبر بكثير من إمكانية ذلك، وقال: "لا تفصلنا عن موعد الانتخابات سوى شهرين ولا نتوفر لا على قانون الانتخابات ولا على قاعدة دستورية".
صلاح البكوش المستشار السابق بالمجلس الأعلى بليبيا
صلاح البكوش المستشار السابق بالمجلس الأعلى بليبيا
الانتخابات ولعبة المصلحة
يؤكد المحلل السياسي مناف الكيلاني، في حوار مع مونت كارلو الدولية، أن الانتخابات أصبحت هدفا في حد ذاته، وتسعى نحوه المجموعة الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، دون توفر جدول أو برنامج محدد لما بعد تنظيمها. ويفسر الكيلاني هذا الأمر بكون كل طرف يرى في تلك الانتخابات "مصلحته الخاصة، فهي على الأقل تثبت وضعا قائما، دون أن يكون فيه ما يوصل البلاد إلى حل. وهذا الامر يدركه جميع اللاعبين في هذا الملف سواء منهم الليبيين أو الإقليميين أو الدوليين، لكنهم يواصلون سعيهم نحوه حفظا لماء الوجه. فالانتخابات لن تؤدي إلى حل للمسألة الليبية لأن المسار الذي تقرر عبره تنظيم هذه الانتخابات، لا يحظى بالإجماع من طرف الليبيين سواء كشعب أو كطبقة سياسية أتت إلى الحكم بعد سقوط نظام معمر القذافي".
مناف الكيلاني، المحلل السياسي
مناف الكيلاني المحلل السياسي
وتعرب الأمم المتحدة باستمرار عن تخوفها من أن يؤدي الإخفاق في تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في الموعد المحدد، إلى تجديد الانقسام والصراع المسلح. وقد سبق لمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، بان كوبيتش، أن أكد في إفادة مصورة أمام مجلس الأمن على أن تنظيم الانتخابات "حتى في حالة أقل من المثالية، ومع كل العيوب والتحديات والمخاطر أمر مرغوب فيه أكثر بكثير من عدم تنظيمها، لأن هذا الأخير يمكنه أن يعزز الانقسام وعدم الاستقرار والصراع" في البلاد.
ويؤكد صلاح البكوش، أن الكثيرين يتحدثون عن تنظيم انتخابات لكن يتجاهلون أن الأطراف الأساسية في الصراع لا تريد ذلك لأنه ليس في مصلحتها. وقال البكوش إن الأطراف الأساسية في الصراع الليبي لا تريد انتخابات وهي لا تعرب عن قبولها سوى لكي تورط الآخر في إشكال عرقلته لتنظيم الانتخابات. وقال: "لننظر، مثلا، إلى حالة مصر. فالجميع يعرف تأثيرها في المنطقة الشرقية لليبيا وعلاقتها بعقيلة صالح الذي يسيطر على مجلس النواب، وهي تعلم أن حظوظه للحفاظ على منصبه في البرلمان منعدمة، ولها أيضا في حكومة دبيبة طرف يمكنها التعامل معه، وحصلت على 85 مليار دينار ليبي من العقود في ظرف ثلاثة أشهر. وحفتر شُرطيها في المنطقة، فلماذا تقبل بانتخابات تخسر معها كل ذلك؟" وأضاف البكوش متسائلا: "لماذا مجلس النواب يريد انتخابات؟ لكي يخسر؟ هل نتوقع منهم أن يوافقوا على انتخابات؟ وهل نتوقع أيضا أن يوافق أعضاء مجلس الدولة على انتخابات تخرجهم من المشهد السياسي؟". وأكد أنه حتى في حال ضغط المجتمع الدولي على أطراف النزاع كي تقبل بتنظيم الانتخابات، لا توجد ضمانات بأنها سوف تلتزم بنتائجها" ما قد يعيد البلاد إلى المربع الأول، حسب تعبيره.
غير أن مناف الكيلاني يؤكد أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي سيضغطون كي تنظم الانتخابات، دون أن يؤدي ذلك إلى حل للنزاع الليبي، ما يعني، حسب الكثير من المراقبين أنملف النزاع في ليبيا قد يراوح مكانه سواء بانتخابات أو بغيرها، ما لم تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لدى أطراف النزاع خارجيا وداخليا، لإخراج البلاد من النفق المظلم الذي أدخلها فيه التدخل العسكري للحلف الأطلسي بهدف إسقاط نظام معمر القذافي.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك