تحليل إخباري

ما سر التخوف الإسباني من التقارب المغربي الإسرائيلي؟

وزير الدفاع الإسرائيلي أثناء زيارته للمغرب
وزير الدفاع الإسرائيلي أثناء زيارته للمغرب AP - Mosa'ab Elshamy

يبدو أن التقارب المغربي الإسرائيلي بات يقلق جهات عدة، فبعد الجزائر التي ما فتأت تردد أن الاتفاق يستهدفها، حذر تقرير للاستخبارات الإسبانية يحمل عنوان "سحابة حمراء في سماء مدريد" من الخطر الذي قد يمثله التقارب بين الرباط وتل أبيب، خاصة بعد الزيارة التي قام بها بيني غانتس، وزير الدفاع الإسرائيلي إلى المغرب، وكللت بالتوقيع على اتفاق غير مسبوق للتعاون في المجالين الأمني والعسكري. يأتي هذا فيما أكد قائد القوات المسلحة الإسبانية تيودورو اوبيز كالديرون أنه لا يعتقد أن المغرب يشكل حاليا "تهديدا" لسبتة ومليلية، الجيبين الموجودين شمال المغرب تحت السيادة الإسبانية لكن المغرب يعتبرهما مدينتين محتلتين ويطالب باستعادتهما.

إعلان

وقد حذر التقرير الذي أعده مركز الدراسات المتقدمة للدفاع الوطني والمعهد الإسباني للدراسات الإستراتيجية، وكلاهما تابع لوزارة الدفاع الإسبانية، رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز من أن "مصالح مدريد في المتوسط قد تتهاوى بفعل هذا التقارب المتزايد"، واعتبر أن "التقارب المغربي - الإسرائيلي منح الرباط القوة والنفوذ في المنطقة. وحذر التقرير، الذي سُربت نسخة منه، من أن التعاون المغربي الإسرائيلي يشمل بناء قاعدة عسكرية شمال المغرب، غير بعيد عن مدينتي سبتة ومليلية.

تغير موازين القوى في المنطقة

ولعل ما يخيف إسبانيا التي ظل مسؤولوها يتابعون بصمت تطور العلاقات المغربية الإسرائيلية، هو إمكانية حدوث تغير في موازين القوى في المنطقة. فإسبانيا باتت تتخوف من أن يتحول المغرب إلى قوة إقليمية في منطقة البحر الأبيض المتوسط. إذ من شأن الاتفاقيات الأمنية بين الرباط وتل أبيب أن تفرض توازن قوى جديد يحتل فيه المغرب وضعية مختلفة.

فبموجب الاتفاق الأمني والعسكري المغربي الإسرائيلي، سيمكن للرباط الحصول على معدات أمنية إسرائيلية عالية التقنية، بالإضافة إلى التعاون في التخطيط العلمياتي وفي مجالات البحث والتطوير التكنولوجي العسكري والحصول على معدات إسرائيلية عالية التكنولوجيا بسهولة.

وحسب حسني العبيدي، الأستاذ المحاضر في جامعة جنيف، فإن إسبانيا تتخوف من الاتفاق المغربي الإسرائيلي نظرا لتداعياته على التفوق العسكري لإسبانيا في المنطقة، "خاصة وأن الاتفاق يشمل أيضا بناء قاعدة عسكرية غير بعيد عن سبتة ومليلية وهما مدينتان مغربيتان محتلتان من قبل إسبانيا، بالإضافة إلى بناء مصنع لتصنيع معدات عسكرية بما فيها طائرات مسيرة بتقنية إسرائيلية".

عدا عن ذلك، يؤكد حسني العبيدي في حديثه لإذاعة مونت كارلو الدولية، أن إسبانيا باتت تعتبر الاتفاق تهديدا لمصالحها في المنطقة، وتتخوف من حدوث اختلال في موازين القوى بأن تصبح الرباط قوة عسكرية في شمال إفريقيا، وهو ما قد يشعل فتيل السباق نحو التسلح، خاصة مع دول أخرى مهمة بالنسبة لإسبانيا، وخاصة الجزائر. فإسبانيا، يضيف حسني العبيدي، عضو في الحلف الأطلسي والاتحاد الأوربي ولديها نفوذ تاريخي مهم في منطقة شمال إفريقيا، خاصة في منطقتها الغربية، كما أن العديد من القواعد العسكرية التابعة للحلف الأطلسي موجودة في إسبانيا.

وقال العبيدي: "فبالتالي وصول المغرب إلى مرحلة مهمة في علاقته مع إسرائيل يمكن أن يؤهله لأن تصبح له علاقات متقدمة مع الولايات المتحدة، العضو الأساس في الحلف الأطلسي، ومن شأنه في النهاية أن يفقد إسبانيا أهميتها الاستراتيجية باعتبار أن الدولتين متقاربتين جغرافيا. هذا إضافة إلى أن المغرب سيصبح له نفوذ عسكري قد يوظفه لصالحه في منطقة المتوسط".

 فحسب وسائل إعلام إسرائيلية، شمل الاتفاق المغربي الإسرائيلي، صفقات أسلحة بمئات ملايين الدولارات، تلتزم من خلالها إسرائيل بتزويد المغرب بأسلحة حربية متطوّرة، وتشمل ترسانة تلك الأسلحة، طائرات بدون طيار، ورادارات شركة “إلتا” المتخصصة في الخدمات الدفاعية، إلى جانب نظام “سكاي لوكْ” المضاد للطائرات المُسيّرة، وكذا تطوير وتحسين مقاتلات “إف-5” الجوية المغربية. بالإضافة إلى تزويد المغرب بالمنظومة الدفاعية “باراك-8” بمدى 140 كيلومترا ضد جميع الأهداف الجوية، وهي منظومة مصمّمة للدفاع في مواجهة أي نوع من التهديدات المحمولة جوا، بما يشمل الطائرات والمروحيات والصواريخ المضادة للسفن.

وبموجب الاتفاق الذي يعد الأول من نوعه بين إسرائيل ودولة عربية، سيمكن للمغرب أيضا "نقل التكنولوجيا والتكوين وكذلك التعاون في مجال الصناعة الدفاعية"، بحسب ما أوضحت القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية المغربية، وهو ما من شأنه أن يمكن من تطوير صناعة محلية لإنتاج طائرات بدون طيار، مما سيعزز القدرات الجوية المغربية، وسيسمح أيضًا للإسرائيليين بإنتاج ذلك النوع من الطائرات بكميات كبيرة وبسعر أقل.

حسني العبيدي، الأستاذ المحاضر في جامعة جنيف
حسني العبيدي، الأستاذ المحاضر في جامعة جنيف

تقرير مخابراتي مسرب بشكل مقصود

في وقت حرصت السلطات الإسبانية على مراقبة تطور العلاقات المغربية الإسرائيلية في صمت حذر، تم تسريب تقرير مخابراتي إسباني يفترض أن يكون سريا، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن سر هذا التسريب وفي هذا الوقت بالذات.

ويؤكد حسني العبيدي أن هذا التقرير سرب بشكل مقصود من قبل إسبانيا. وقال: "هناك نية من قبل إسبانيا بأن يخرج هذا التقرير للعلن، لأن الحكومة الإسبانية تنشد حصول تجاوب من قبل الإسبان وحتى من قبل المجتمع الدولي مع مخاوفها، وفي نفس الوقت هي تريد الحصول على المساعدة والدعم من قبل الاتحاد الأوربي.

وقال العبيدي: "رأينا في السابق أن إسبانيا في أزماتها مع المغرب، سواء منها أزمة المهاجرين أو غيرها، في كل مرة تبحث عن دعم كل من الاتحاد الأوربي والحلف الأطلسي. وفي حال اقتنع الاتحاد الأوربي بأنه لابد من الوقوف إلى جانب إسبانيا لمواجهة تخوفاتها إزاء المغرب، فإن هذا سيكون أمرا مهما بالنسبة لإسبانيا، لكون المغرب تربطه علاقات قوية تجارية واقتصادية وسياسية قوية مع الاتحاد الأوربي، وليس من مصلحته أن تسوء علاقته بالاتحاد. فهذا الأخير قد يجد نفسه مضطرا إما للوقوف في صف إسبانيا لأنها عضو أساسي أو أن تبقى على الحياد. وهو ما ستعتبره إسبانيا موقفا سياسيا وتخليا عنها من قبل الاتحاد الأوربي".

حسني العبيدي، الأستاذ المحاضر في جامعة جنيف
حسني العبيدي، الأستاذ المحاضر في جامعة جنيف

قائد القوات المسلحة الإسبانية يستبعد خطر المغرب

في خضم الحديث عن تلك المخاوف الإسبانية تجاه المغرب، صرح قائد القوات المسلحة الإسبانية الأدميرال تيودورو لوبيز كالديرون، أنه لا يعتقد أن المغرب يشكل "تهديدًا" لسبتة ومليلية، وأكد أن "المنافس" الرئيسي للمغرب هو الجزائر حاليًا، وأن "المشكلة الأكثر خطورة" التي تواجهها الرباط هي صراعها مع جبهة البوليساريو. ونتيجة لذلك، فهو لا يعتبر أن تكديس المغرب للأسلحة في السنوات الأخيرة يشكل "تهديدًا واضحًا لإسبانيا" ولا على سبتة ومليلية.

وبالنسبة للمحلل الاستراتيجي الشرقاوي الروداني، فإن هناك أكثر من قراءة للتعاون الاستراتيجي المغربي الإسرائيلي والأمريكي، منها تلك التي تعتبر أن هذا التعاون في مصلحة الأمن القومي الإسباني والمنطقة المتوسطية وخاصة منطقة غرب المتوسط لكون وجود دولة لها قواعد تحالف استراتيجي وقادرة على خدمة مصلح الجميع تعد ذات أهمية، أما وجود دول ضعيفة جنوب المتوسط، فإنه لا يخدم مصلحة إسبانيا. وبالتالي فإن هناك من يعتقد أن العقيدة العسكرية القديمة بالنظر إلى المغرب كعدو، باتت متجاوزة.

الشرقاوي الروداني، الباحث والمحلل الاستراتيجي
الشرقاوي الروداني، الباحث والمحلل الاستراتيجي

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق مونت كارلو الدولية