إضاءة

ستة أسئلة بخصوص بدء الأحكام في قضايا تتعلق بفضيحة "النقاط مقابل الجنس" في الجامعات المغربية

من تظاهرة في الرباط 20 شباط/فبراير 2016 (أ ف ب)

أصدرت المحكمة الابتدائية بطنجة حكما بحبس أستاذ جامعي عاما واحدا مع النفاذ، لإدانته "بالتحرش الجنسي" بإحدى طالباته. وقبل ذلك بأقل من شهر حُكم على أستاذ في جامعة سطات، القريبة من الدار البيضاء، بالحبس عامين مع النفاذ لإدانته بابتزاز طالبات جنسيا. وقد طرحت هذه الأحكام التي تأتي في إطار ما بات يُعرف بفضيحة "الجنس مقابل النقاط" الكثير من الأسئلة، نحاول الرد على بعضها.

إعلان

1/ هل تكسر جدار الصمت حول التحرش الجنسي في الجامعات المغربية؟

يعيش المغرب منذ أسابيع على وقع ما بات يعرف بفضيحة الجنس مقابل النقاط" و"مي-تو الجامعات"، حيث تمكنت العديد من الطالبات من التخلص من نظرة المجتمع وثقل التقاليد، وكسرن جدار الصمت وفضحن ممارسات عدد من أساتذة التعليم العالي ممن يتحرشون بالطالبات، مقابل تمكنهن من النجاح في الامتحانات، مع ما تتعرض له من ترفضن تلك السلوكيات من سوء معاملة وانتقام.

وقد عكست مواقع التواصل الاجتماعي حجم تلك الممارسات وبات الحديث عنها يتم باعتبارها ظاهرة اجتاحت الكثير من المؤسسات التعليمية، من ضمن مؤسسات أخرى. وقد آزرت العديد من الجمعيات الحقوقية ومحاميات ومحامون، الضحايا، وشجعنهن على فضح تلك الممارسات.

وفي الثاني عشر من الشهر الماضي، حُكم على أستاذ في جامعة سطات القريبة من الدار البيضاء بالحبس عامين مع النفاذ، لإدانته بابتزاز طالبات جنسيا. وقد كان هذا الحكم، الأول من نوعه في إطار هذه الفضيحة، تلاه الحكم على أستاذ اللغة الإسبانية بمدرسة الملك فهد العليا في طنجة والبالغ من العمر 46 عاما، بالحبس مع النفاذ لمدة سنة، لإدانته بالتحرّش الجنسي بإحدى طالباته، وما تزال قضايا أخرى مطروحة على القضاء المغربي.

وتؤكد نجاة الرازي، الباحثة الاجتماعية والمناضلة الحقوقية أن فضح تلك الممارسات يشكل مكسبا في حد ذاته مهما كان حجم الأحكام التي تمت لحد الساعة، لأن التحرش الجنسي منتشر ولكن نادرا ما تفضح الضحايا تلك الممارسات. وتعتبر الرازي أن التشجيع الحالي على الجهر بالتحرش الجنسي سيمكن من تطويق المتحرشين بمختلف الأساليب الإدارية والقانونية والاجتماعية.

نجاة الرازي، الباحثة الاجتماعية والمناضلة الحقوقية

 2/ ما هي أهمية إدانة أساتذة بتهمة التحرش الجنسي بطالباتهم؟

 صفقت العديد من الجمعيات الحقوقية للحكمين الصادرين في حق الأستاذين المتهمين بالتحرش، واعتبرت الإدانة بمثابة إعلان عن فتح صفحة جديدة في ملف التحرش الجنسي بالمغرب، وخاصة منه ذاك الذي يتم داخل المؤسسات التربوية والتعليمية.

واعتبرت خديجة الروداني، المحامية والمناضلة الحقوقية أن الحكمين يظهران وجود عدالة وسلطة قضائية، وتوفر إمكانيات قانونية للإنصاف ولحسن تطبيق القانون كما ينص على ذلك الدستور المغربي. وأكدت الروداني أن الفصل المتعلق بتجريم التحرش الجنسي في القانون الجنائي ظل جامدا لسنوات، و"ها هي المتابعات بدأت تُحرك بناء على هذا الفصل، وأصبحنا أمام أحكام قضائية بالإدانة بتهم متعلقة بالتحرش الجنسي".

واستطردت خديجة الروادني قائلة: "لكنني أرجو ألا يكون تطبيق القانون مناسباتيا وأن يتم الأخذ بعين الاعتبار الإشكاليات المرتبطة بالفصل القانوني المتعلق بالتحرش الجنسي وإعادة النظر فيه، خاصة وأن مدونة القانون الجنائي في المغرب ستشهد تعديلا، نتمنى أن يأخذ بعين الاعتبار مختلف عناصر هذا الإشكال".

من جهتها تؤكد نجاة الرازي أن الحديث المتزايد عن التحرش الجنسي وأساسا في ظل فضيحة "الجنس مقابل النقاط"، مكن من كسر جدار الصمت، ومعه جدران من الخوف المرتبط أولا بكون هذه العلاقة تتم في إطار وجود سلطة معينة بيد المتحرش، وبإمكانية خوف الطالبة من المتحرِّش بها نتيجة لوضعها الاجتماعي ولسيادة نظرة نمطية حول النساء، إذ كثيرا ما يتم تحميل المرأة المسؤولية عما حصل.

خديجة الروادني، المحامية والمناضلة الحقوقية

3/ فضيحة "النقاط مقابل الجنس": هل نقبل المعادلة؟

تعتبر نجاة الرازي، الباحثة في علم الاجتماع والمناضلة الحقوقية، أن عبارة "النقاط مقابل الجنس" التي روجت لها الكثير من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، قد تتسبب في نوع من الغموض في الفهم، لأن تلك العبارة قد توحي بوجود مساواة في المسؤولية بين الطرفين، بينما حين تقع مساومة في إطار علاقة فيها سلطة واستغلال نفوذ، فإنه حتى في حال إذعان الضحية فإن الأمر يتعلق بوضع إذعان وقبول تحت التهديد والضغط، وغالبا ما لا يكون هذا القبول والإذعان بهدف المساومة بالجنس مقابل نقاط، وإنما بسبب الخوف. فالكثيرات ترفضن تلك الممارسات رغم أنهن لا تفضحنها دائما، خوفا من الانتقام ومن نظرة المجتمع الذي يحملهن الجزء الأكبر من المسؤولية، وتصبح الضحية هي المذنبة أو طرفا مشاركا في ما حصل لها.

وتؤكد الكثير من الأبحاث أن الطالبة التي تجد نفسها في وضع تحرش جنسي من قبل أستاذها، تكون في وضع هشاشة على مستويات عدة. فهي تجد نفسها في دوامة من الخوف من القيل والقال من جهة، وتخشى، من جهة ثانية، من انتقام الاستاذ الذي رفضت الاستجابة لرغباته، ثم من عدم قدرتها على إثبات الجرم في حال أرادت رفع شكوى ضده. 

نجاة الرازي، الباحثة الاجتماعية والمناضلة الحقوقية

4/ لماذا لم يتم الكشف عن حجم الظاهرة في الجامعات من قبل؟

أظهرت العديد من الشهادات التي أدلت بها فتيات بعد فضيحة "الجنس مقابل النقاط" حجم انتشار ظاهرة التحرش الجنسي في الأوساط الجامعية، ما طرح التساؤل لدى الكثيرين عن سر عدم فضح تلك الممارسات. وتؤكد سعيدة الإدريسي، المناضلة الحقوقية، أن بحثا أصدرته المندوبية السامية للتخطيط بالرباط عام 2019  أظهر أن 22 في المائة من التلميذات والطالبات" تعرضن لشكل واحد أو عدة أشكال من العنف، سواء من طرف التلاميذ أو الأساتذة، علما أن التحرش الجنسي هو نوع من أنواع العنف الممارس ضد النساء خاصة".

وتضيف  سعيدة الإدريسي أن الكثير من الطالبات كن يشتكين من تعرضهن للتحرش في الجامعة، وكانت الجمعيات تكاتب إدارة الجامعات ولكنها لا تتوصل بأي رد. كما أن الكثير من الطالبات يشتكين ويعربن عن خوفهن من الرسوب في امتحاناتهن كإجراء انتقامي، ويخشين من رد فعل أفراد من أسرهن في ظل وجود صور نمطية تحمل النساء المسؤولية عما يحصل من تحرش بهن. وتؤكد سعيدة الإدريسي أن كسر جدار الصمت الذي جاء في سياق دولي مع حركة "مي-تو" وما تلاها، دفع حتى بأستاذات في الجامعة إلى التقدم بشكايات ضد زملاء لهن كانوا يمارسون التحرش الجنسي في حقهن. ووصفت الإدريسي النساء اللواتي تمكن من كسر جدار الصمت بالشجاعات.

وتؤكد الناشطة في حقوق النساء، أن الكرة اليوم في ملعب المؤسسات الجامعية قائلة :"هل سيحدث تغيير في الجامعات؟ وهل ستحدد ضوابط وآليات لإنصاف الطالبات وسياسة داخلية للحد من التحرش داخل الجامعات؟ هذا هو السؤال، والمؤسسات الجامعية تجد نفسها اليوم مجبرة على وضع آلية للإنصاف والحماية للمشتكيات عبر ضمان جهة تتجه لها الضحية وضمان حمايتها والحافظ على سرية الشكاية وغير ذلك".

سعيدة الإدريسي، المناضلة الحقوقية

5/ هل تكفي القوانين القائمة لمحاربة ظاهرة منتشرة؟

بين الحين والآخر، تطرح على القضاء المغربي، شكاوى تتعلق بالتحرش الجنسي في الشارع أو المؤسسات التربوية أو العمل وغيرها من الأماكن، لكن تلك الشكاوى تبقى نادرة جدا مقارنة بحجم انتشار الظاهرة. إذ تؤكد الجمعيات الحقوقية والنقابات أن التحرش الجنسي منتشر في العديد من الأوساط في المغرب، لكن جدار الصمت يلفه بالنظر للكثير من الأسباب، منها ما هو مرتبط بالمجتمع ونظرته للمرأة وبالأسرة وبالخوف من القيل والقال ومن الأحكام الجاهزة، ومنها ما هو مرتبط بطبيعة التحرش الجنسي وصعوبة إثباته، خاصة في ظل ضعف التضامن في العديد من الأوساط ورفض الكثير ممن يعرفون بوجود تحرش، الإدلاء بشهادتهم.

وتطالب الجمعيات النسائية والحقوقية بإعادة النظر في القوانين المؤطرة للتحرش الجنسي في المغرب لضمان حماية أكبر للمشتكيات وتجنيبهن انتقام الطرف الآخر.

وتؤكد خديجة الروداني قائلة: "إن المطالب المرتبطة بالقانون متعددة، منها ما هو عام متعلق بفلسفة الترسانة القانونية التقليدية، والتي لا تقوم على مرجعية حقوقية وعلى المساواة بين النساء والرجال، إذ يتضمن، إما نصوصا تمييزية على أساس الجنس أو أن تطبيقها يؤدي إلى تمييز بسبب الجنس. أضف إلى ذلك أنه من الضروري تغيير أولويات القانون الجنائي الذي تم تبنيه في عام 1962 وهي فترة طغى خلالها الهاجس الأمني على الأجندة السياسية في المغرب، والآن هناك هواجس أخرى مرتبطة بحقوق أخرى ومنها حقوق النساء يتعين أن يعكسها القانون الجنائي، ومنها إشكالية السلطة التي كثيرا ما ترتبط بالتحرش الجنسي، وحل إشكالية الإثبات، لأنه في العديد من الحالات التي تعرض على الجمعيات الحقوقية والنسائية، لا تتمكن الضحية من إثبات التحرش الجنسي رغم ما له من تأثير عليها كفقدان العمل أو التخلي عن الدراسة أو الرسوب دون موجب، أو الإصابة بالمرض النفسي وغيره، وبالتالي يتعين أن يترتب عن خصوصية التحرش الجنسي، خصوصية في معالجة الإشكال في القانون الجنائي المغربي".

خديجة الروداني، المحامية والمناضلة الحقوقية

6/ هل تنتقل "مي-تو الجامعات" إلى مؤسسات أخرى؟

بعثت الحملة الكبرى ضد التحرش الجنسي في الجامعات الأمل لدى الكثير من النساء، في أن يتكسر جدار الصمت حول هذه الظاهرة في المؤسسات والشركات وغيرها. وتؤكد نجاة الرازي أنها لاحظت، من خلال نشاطها في جمعية نسائية تتوفر على مركز استماع، إقبال الكثير من النساء المتحرش بهن على الجمعية لتقديم شكاوى بالتحرش الجنسي وأن المعنيات ينتمين إلى مختلف الأوساط، منهن عاملات في معامل وموظفات وأطر عليا وطالبات وغيرهن، لكن شكاياتهن لا تسير إلى أبعد من ذلك في أغلب الأحيان. واعتبرت الرازي أن التضامن الذي عبر عنه الكثيرون ومنهم طلبة مع زميلاتهم، سيشجع على ظهور حركات احتجاجية ضد تلك الممارسات وقد يؤدي إلى تغير الوضع بشكل كبير.

من جهتها، تؤكد نجوى لكحيلة،عضوة لجنة المرأة بالاتحاد المغربي للشغل وهي هيئة نقابية، على ضرورة دعم الضحايا للنساء اللواتي كانت لهن الجرأة على فضح تلك الممارسات ووضع آليات لتتبع الضحايا وضمان حماية قانونية للعمال والعاملات وخاصة في القطاع الخاص والقيام بعمليات تفتيش دورية للتأكد من ظروف العمل وتمكين مفتشي الشغل من آليات لمواجهة التحرش الجنسي داخل مقرات العمل. وأكدت لكحيلة أن النقابات تعمل على مواجهة هذه الظاهرة داخل المؤسسات، لكنها تطالب الحكومة بضمان شروط مواجهة هذه الإشكالية المعقدة.

نجوى لكحيلة عضوة لجنة المرأة بالاتحاد المغربي للشغل

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق مونت كارلو الدولية