عميد مسجد باريس الكبير يدعو لانتخاب ماكرون ضد اليمين المتطرف مثيرا جدلا حول الفصل بين الدين والسياسة
دعا عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حفيظ، إلى التصويت لصالح الرئيس المنتهية ولايته المرشح إيمانويل ماكرون، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بدافع قطع الطريق أمام منافسته مارين لوبن وبحجة تفادي ما وصفها ب"كارثة سياسية وشيكة" في إشارة إلى خطاب زعيمة التجمع الوطني اليميني المتطرف. بل وأعلن عميد مسجد باريس عن تنظيم مائدة إفطار لدعم إيمانويل ماكرون. الأمر الذي أثار انتقادات في وسائل التواصل الاجتماعي وبين أوساط مفكرين ومثقفين من الجالية المسلمة في فرنسا.
نشرت في:
في تسجيل فيديو نشره على صفحة مسجد باريس الكبير، قرأ عميد المسجد شمس الدين حفيظ بيانا يحمل عنوان "لنصوت لماكرون" وجاء فيه أن "فرنسا تعيش مرحلة حاسمة بما فيها مواطنوها المسلمون، وأن مصيرهم...مرهون بصناديق الاقتراع بمناسبة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية" المقررة يوم 24 أبريل/نيسان 2022.
وأضاف حفيظ أن "قوات حاقدة تعبّر عن نفسها اليوم وتدعو صراحةً إلى إقصاء المسلمين" ومن أجل التصدي لذلك يكمن الحل في التصويت محذرا في الوقت نفسه من "الامتناع أو من التصويت الأبيض" الذيْن سيؤديان إلى تعزيز اليمين المتطرف".
شمس الدين حفيظ، عميد مسجد باريس الكبير يدعو إلى التصويت لصالح إيمانويل ماكرون في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية يوم 24 أبريل 2022.
Le recteur @ChemsHafiz appelle à voter pour @EmmanuelMacron le #24avril2022.
— Grande Mosquée de Paris (@mosqueedeparis) April 15, 2022
« Nous n’avons pas le droit d’hypothéquer l’avenir de nos enfants en restant des témoins passifs d’une catastrophe politique imminente. Votons Emmanuel Macron ». pic.twitter.com/RpBHwODpMK
الدعوة إلى قطع الطريق أمام مارين لوبن من طرف عميد مسجد باريس نُشرت يوم 15 أبريل أعقبها الإعلان عن تنظيم مائدة إفطار اليوم 19 أبريل داخل المسجد الكبير لدعم الرئيس المنتهية ولايته ما أثار انتقادات واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي وبين أوساط مفكرين ومثقفين من أصول عربية.
المؤرخ في الإسلام المعاصر، الدكتور صادق سلام اعتبر أن مثل هذه المبادرة تتناقض مع المعايير التي كان عميد المسجد أعلن الالتزام بها في السابق ويقارنها بالصمت الذي التزمت به الكنيسة احتراما لمبدئ الفصل بين الدين والسياسة. وأضاف د. سلام أن كون "المسلمين يخشون مارين لوبن ليس مبررا لتنظيم اجتماع انتخابي داخل المستجد". ولم يستبعد الأستاذ سلام أن تكون لمثل هذه المبادرة نتائج عكسية بحيث أنه يتوقع أن تستغل مارين لوبن الفرصة لمواجهة غريمها إيمانويل ماكرون في المناظرة المقررة غدا الأربعاء 20 أبريل، وتستعملها ضده.
المؤرخ صادق سلام، لا مبرر لمخالفة مبدأ الفصل بين الدين والسياسة
من جهته استنكر المحاضر في العلوم الإسلامية والإمام في ثلاثة مساجد مستقلة بالضاحية الجنوبية لباريس، نورد الدين أوسط، تنظيم مأدبة الإفطار في باحة مسجد باريس الكبير لصالح مرشح ما للانتخابات واعتبر أنه خطأ "فاحش وكبير" خاصة في ظل ما شهدته مساجد في فرنسا من إغلاق إداري خلال عهدة الرئيس إيمانويل ماكرون، حسب تقديره.
الإمام نور الدين أوسط يستنكر تنظيم مائدة إفطار داخل مسجد باريس
ما تأثير دعوة مسجد باريس لمقاطعة لوبن على الناخبين المسلمين؟
أشار استطلاع للرأي لمعهد إيفوب Ifop لصالح صحيفة لاكروا La Croix إلى أن 69 بالمائة من الناخبين المسلمين صوتوا لصالح اليساري الراديكالي جان-لوك ميلونشون في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي نُظمت يوم 10 أبريل الماضي.
واعتبر المؤرخ سلام أن تمثيل مسجد باريس للناخبين المسلمين ضئيل بالنظر لكونه لا يشرف سوى على نحو 130 مسجدا تُنتَدَب إليهم أئمة من الجزائر، من أصل 2700 مسجد على التراب الفرنسي، تتبعها تركيا بعدد مماثل فالمغرب بأقل من 30 مسجدا بحسب المؤرخ الجزائري الذي اعتبر أن "كل هذه الدول التي طلبت منها فرنسا أن تراقب المساجد أصبحت لها أقلية" فيما تُعتبر الغالبية الكبرى الأخرى مساجد مستقلة عن الحكومات الأجنبية.
زد على ذلك أشار المؤرخ سلام أن عميد مسجد باريس كان أيد رئيسة بلدية باريس، الإشتراكية آن هيدالغو في الجولة الأولى والتي لم تحصل سوى على 1,8% من الأصوات وبالتالي فإن ذلك يدل على شبه انعدام أي تأثير لعمدة مسجد باريس على الناخبين المسلمين في فرنسا.
المؤرخ صادق سلام عن التأثير الضئيل لمسجد باريس الكبير على مسلمي فرنسا
هل هي معادلة واضحة بالنسبة للناخبين المسلمين في فرنسا؟
أطلقت أصوات عديدة تمثل شرائح أخرى من المجتمع الفرنسي نداءات بمقاطعة مارين لوبن في الانتخابات الرئاسية من قبل رياضيين ومجموعة من نحو 500 فنان وفنانة أعلنوا تأييدهم لانتخاب ماكرون "دون أي تردد أو ارتباك". إلا أن المعادلة لا تبدو بذلك الوضوح بالنسبة للناخبين المسلمين في فرنسا.
الأستاذ نور الدين أوسط الذي تابع الميول الانتخابية لمسلمي فرنسا طوال عدة سنوات اعتبر أنه سيكون خيارا صعبا بالنسبة لهم ويتوقع أن تكون فئة المثقفين وذوي العائلات ستصوت لإيمانويل ماكرون "ليس حبا فيه وإنما مضطرة" بهدف إزاحة مارين لوبن" أما الأغلبية فسيصوتون تصويتا أبيض حسب تقديره أي أنه تصويت لن يُحسب لأي من المرشحيْن. فوجه نداء للناخبين المسلمين يدعوهم لعدم مقاطعة الانتخابات مشددا على أهمية مشاركتهم وعلى عكس المؤرخ صادق سلام، يرى الإمام أوسط أن التزام الصمت في الظروف التي تعيشها البلاد حاليا ليس في محله.
الإمام نور الدين أوسط، توقعات حول تصويت الناخبين المسلمين في فرنسا
واعتبر السيد أوسط أن الوضع يفرض اختيار المرشح الأقل سوءا معبّرا صراحة عن خشيته من خطاب الكراهية الذي يُروجه اليمين المتطرف تجاه المسلمين تجلى ذلك في توعد مارين لوبن بمنع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة قبل أن تتراجع نسبيا وتلطف خطابها في هذا الشأن قبل أيام قليلة من موعد الجولة الثانية للانتخابات.
بدورها أيدت المُنتخبة الاشتراكية في إقليم لاسوم شمال فرنسا، السيدة زهرة ضراس، النداء للتصويت لماكرون في عريضة وقع عليها 46 منتخبا في المنطقة من أجل التصدي لبرنامج لوبن الذي "يستهدف في الأول الأجانب على العموم والمسلمين أيضا بتفضيل الأشخاص ذوي الأصول الفرنسية عليهم" وذلك بالرغم من أنها لا تتفق مع سياسة ماكرون التي تصفها باللبرالية.
الاشتراكية زهرة ضراس تؤيد الدعوة لانتخاب ماكرون ضد لوبن
هل نداء مسجد باريس يمثل الموقف الجزائري من الانتخابات في فرنسا؟
من العُرف أن الدولة الجزائرية تقوم بتمويل مسجد باريس الكبير بحوالي مليوني يورو تُخصص سنويا لإدارة المسجد ولدفع رواتب الأئمة المنتدبين إلى المساجد التابعة لفدرالية مسجد باريس. ما يُفترض أن يجعل من هذه المؤسسة العريقة واجهة للجزائر في الفضاء الفرنسي والأوروبي. فهل يُمثل مسجد باريس الموقف الرسمي للدبلوماسية الجزائرية من الانتخابات في فرنسا؟
السيد صادق سلام لا يتوقع ذلك، مشيرا إلى أنه يوجد على "رأس الدبلوماسية الجزائرية محترفون يحترمون الأعراف الدبلوماسية ولا يتدخلون في الشأن السياسي الداخلي لبلد مجاور"، رغم أنه لم يستبعد أن تكون هناك "كتل تستفيد من عدم الشفافية المالية في مسجد باريس" تسببت في الإساءة إلى سمعة المسجد لدى الجالية الإسلامية والجزائريين وأن مواصلة تأييد المسجد في هذه الظروف من قبل "شرائح" لدى السلطات الجزائرية يخلق تنافسا بين قيادة المسجد وسفير الجزائر في فرنسا.
د. صادق سلام لا يعتقد أن المسجد يمثل الموقف الجزائري الرسمي من الانتخابات في فرنسا
فتح آفاق أخرى في "الجولة الثالثة" للانتخابات
المُنتخب عن حزب الخضر في مدينة مولان جنوب باريس، السيد فريد حسني، يرى أنه بعد التصويت على المرشح الأقل سوءا في الجولة الثانية بقطع الطريق على اليمين المتطرف، ستأتي مرحلة ثالثة هي الانتخابات التشريعية المقبلة يدعو فيها إلى التصويت لنواب "يدافعون على قوانين تحمي الحريات والمصالح الاجتماعية والقدرة الشرائية..." ويمثلون اليسار بمختلف أطيافه حتى تكون هناك قوة ثالثة داخل البرلمان لخلق تعايش بين رئيس يميني ورئيس وزراء يساري، حسب تقديره.
د. فريد حسني عن الجولة الثالثة للانتخابات
الناخبون المسلمون يشكلون قوة حقيقية في فرنسا تُقدرقدرها مراقبون بنحو ثلاثة ملايين ناخب بإمكانهم أن يرجحوا الكفة لصالح أحد المرشحين وتميل خياراتهم إلى اليسار على الأرجح.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك