نظرا لأهمية البحار والمحيطات بالنسبة إلى مستقبل الكرة الأرضية والإنسان، تدعو عدة منظمات إنسانية اليوم إلى إطلاق مشروع عالمي مستمد أساسا من مشروع فرنسي قاده الفرنسي الراحل جاك إيف كوستو عبر سفينة سماها " كاليبسو". وأصبحت منجزات هذا المشروع ملكا مشتركا بالنسبة إلى أجيال كثيرة في العالم كله في مجال الثقافة العلمية المتصلة بالبحار والمحيطات.
واسم هذه السفينة مشتق من كلمة في اللغة اليونانية القديمة هي " كالوبسو". وتعني هذه الكلمة حسب الأساطير الإغريقية في الوقت ذاته حورية من حوريات البحر وجزيرة إغريقية جذابة. وقد منح الكوماندان كوستو سفينة أمريكية الأصل هذه التسمية.
وكانت هذه السفينة الأمريكية قد صنعت في سياتل عام 1942 بهدف تخليص البحار مما علق بها من ألغام زرعت خلال الحرب العالمية الثانية ولاسيما في البحر الأبيض المتوسط. وبعد نهاية الحرب اشتراها الكوماندان كوستو الذي كان آنذاك ضابطا في البحرية الفرنسية لأنه كان مولعا خارج أوقات عمله بدراسة البحر وبالغطس لمحاولة التعرف إلى أسرار باطن البحار والمحيطات.
وظل الكوماندان كوستو يجوب بحار العالم ومحيطاته عبر سفينة " كاليبسو" انطلاقا من عام 1950 إلى عام 1996 لإنجاز دراسات متعددة عن أهمية الثروات البحرية والمخاطر المحدقة بها. واستطاع أن يطلع عامة الناس على نتائج هذه الدراسات وعلى طرق القيام بها في البحر من خلال مئات الأفلام الوثائقية التي عرضت على شاشات التلفزيون في بلدان العالم كلها وترجمت إلى لغات كثيرة.
وكان جاك إيف كوستو أول من حذر من مغبة تدهور أوضاع المتوسط البيئية بسبب التلوث الناتج أساسا عن استخدامه أحد الممرات العالمية المخصصة لنقل النفط المستخرج من المنطقة المتوسطية ومنطقة الخليج وبسبب تحويل مياه المتوسط في الوقت ذاته إلى مكب للنفايات المنزلية والصناعية ومياه المجارير.
في عام 1996 أي قبل عام على رحيل الكوماندان كوستو، غرقت سفينة "كاليبسو" في سنغفورة بعد أن ارتطم بها صندل. والصندل جمع صنادل هو سفينة قاعها مسطح ومعدة لنقل البضائع. وبرغم انتشالها، فإن موت صاحبها حال دون المسارعة إلى إعادتها إلى البحر لعدة أسباب منها خلاف شبّ بين "مؤسسة كوستو" وشركة فرنسية متخصصة في ترميم السفن. وكان كثيرون من المهتمين بالبيئة البحرية يرون أن عودة هذه السفينة إلى البحر أمر شبه مستحيل.
ولكن فرانسين كوستو أرملة كوستو سعت إلى العمل على تطبيق مقولة كان يرددها الكوماندان ومفادها أن المهام الناجحة بحق هي تلك التي تبدو شبه مستحيلة. فقد حسمت الأرملة الخلاف مع الشركة الفرنسية ووجدت عبر "مؤسسة كوستو" الأموال الكافية لإعادة ترميم السفينة وتمويل مشاريعها البحثية لسنوات.
وكانت أرملة الكوماندان الفرنسي جاك إيف كوستو متفائلة بحق عام 2016 بشأن إمكانية عودة سفينة " كاليبسو" إلى رحلاتها السندبادية في بحار الكرة الأرضية ومحيطاتها على المدى القصير. وكان الكوماندان يتمنى قبيل وفاته عام 1997 أن تعود هذه السفينة - كما كانت عليه طوال 40 عاما من قبل- سفيرة السفن في البحار والمحيطات باعتبارها ترمز إلى العلم والمعرفة والحفاظ على الثروات البحرية والتوازن البيئي البحري.
وفعلا أُرسلت سفينة "كاليبسو" في مارس –آذار عام 2016 إلى ميناء إزميد التركي لإتمام عملية ترميمها وإطلاقها مجددا في البحر. ولكن حريقا شبّ فيها بعد وصولها بأيام إلى الميناء. وبعد الحريق ظهرت أصوات تقول إن حال من يصر على إحياء سفينة " كاليبسو" كحال الذي يسعى إلى الحرث في البحر.
ولكن أصوات اليوم التي يدعو أصحابها إلى إعادة الاعتبار إلى هذه السفينة تؤكد على إطلاق سفينة جديدة تشارك في صنعها كل المؤسسات والمنظمات التي لديها قناعة بأن البحار والمحيطات تفتح فعلا آفاقا واعدة بالنسبة إلى الإنسان ومنظومة التنمية المستدامة.
ويرى مطلقو هذه الدعوة أن إطلاق تسمية " كاليبسو" على السفينة الجديدة يقصد من ورائه تكريم الكوماندان كوستو من جهة والعمل على التناوب على قيادة "كاليبسو" الجديدة من قبل طواقم تنتمي إلى الأوساط المتخصصة في علوم البحار وتسعى إلى تمكين كل الناس من الاستفادة من أبحاثها وتجاربها.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك