قرأنا لكم

خوفُ الأجانب أفظع من الخوف من الأجانب: دراسة فرنسية عن الهجرة غير الشرعية

نشرت في:

في حلقة هذا الأسبوع من برنامج "قرأنا لكم" نتوقف عند دراسة لافتة للباحث الفرنسي ستيفان لوكورون بعنوان "العيش تحت التهديد" وهي دراسة تذهب في الاتجاه المعاكس للنقاش الانتخابي الراهن في فرنسا حول الهجرة ونظرية الاستبدال الكبير التي تؤكد وجود مؤامرة لاستبدال السكان الفرنسيين بمهاجرين مسلمين وأفارقة. في هذه الدراسة التي اعتمدت على عينة من أربعين مهاجرا سريا يعيشون في باريس وضواحيها يرصد الباحث حياة هؤلاء المهاجرين تحت التهديد بالطرد من فرنسا ذلك أنهم قد يخضعون للمراقبة والتحقق من الهوية من طرف الشرطة في أي لحظة ويتعرضون للاعتقال ثم يخضعون لمسطرة قانونية تتيح طردهم إلى بلدانهم الأصلية.

"العيش تحت التهديد" لستيفان لوكورون
"العيش تحت التهديد" لستيفان لوكورون © مونت كارلو الدولية
إعلان

ويرصد الباحث كيف يتأقلم هؤلاء مع هذا التهديد المسلط على رقابهم ويبتدعون طرقا وحيلا لتفادي الاعتقال والعمل والسكن. لنستمع الى ستيفان لوكورون متحدثا عن الأسباب التي دفعته لاختيار موضوع دراسته:  

"فكرة هذه الدراسة كان منطلقها استنتاج بسيط من خلال تجربتي كمتطوع في الجمعيات الحقوقية في احدى مراكز اعتقال المهاجرين غير الشرعيين في الضاحية الباريسية. وكنت أتردد على هذا المركز مرة في الأسبوع من أجل الدفاع عن هؤلاء المعتقلين وتقديم مساعدة قانونية لهم للقيام بإجراءات إدارية تحول دون طردهم من فرنسا. وأدركت بعد مدة أن غالبية هؤلاء الذين التقيتهم يطلق سراحهم بعد أيام أو أسابيع من اعتقالهم. إذن السؤال البديهي كان هو لماذا تلجأ الدولة الى سياسة الطرد التي تكلف الدولة الكثير من الإجراءات والأموال في حين أن هذه السياسة لا تجدي نفعا باعتبار أن الاحصائيات تؤكد أن هناك حوالي 100 ألف حالة اعتقال لا يطرد منها سوى حوالي 18 ألف حالة أي أقل من الثلث. لكن الدولة لها منطق خاص يجعلها تتشبث بهذه السياسة فهي تعتبر أنها سياسة استعراض قوة هدفها ردع الراغبين في الهجرة الى فرنسا وارغام الموجودين منهم في الأراضي الفرنسية على مغادرتها. وأيضا هي سياسة انتهجتها الحكومات المتعاقبة وازدادت صرامة في السنوات الأخيرة لاعتبارات سياسية وبسبب الجدل المحتدم حول الهجرة والإسلام ونظرية الاستبدال الكبير. طبعا هذا المنطق في غاية الهشاشة ومن الممكن دحضه بسهولة أو على الأقل التشكيك في صدقيته. أولا لأنه غير ناجع ولا يردع الراغبين في الهجرة ويثنيهم عنها وثانيا لأن طرد هؤلاء لا يأخذ بعين الاعتبار المخاطر الهائلة التي يتعرض لها المهاجرون للوصول الى فرنسا في ظروف قاسية وفتاكة سواء برا أو بحرا.  

هذا اذن هو الاستنتاج الذي جعلني أهتم بالموضوع وأنجز دراسة لمحاولة فهم هذه الآلية العبثية التي تنتهجها الدولة. أيضا كان هدفي من هذه الدراسة هو التعرف على حياة وظروف هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين اليومية ونظرتهم للدولة والإدارة والمجتمع من زاوية اثنوغرافية وانثروبولوجية. ذلك أنه كلما صعدت أجهزة الدولة من سياستها القمعية اتجاه المهاجرين غير الشرعيين تسجن هؤلاء في وضع وجودي شائك وتعمق من معاناتهم." 

من مزايا هذه الدراسة أنها اعتمدت على سرديات أربعين مهاجرا سريا رافقهم الباحث لمدة تفوق ثلاث سنوات كما تنص على ذلك أصول البحث الاثنوغرافي والأنثروبولوجي ومن خلال هذه السرديات نتعرف على حياة هؤلاء ومعاناتهم الذين يجدون نفسهم في فخ وجودي قاس. فهم يعيشون وضعا معقدا على كل المستويات، في العمل والسكن والتجول وما إلى ذلك لكونهم لا يتوفرون على أوراق إقامة شرعية وفي نفس الوقت لا يمكنهم العودة على بلدانهم الأصلية. كما أن هذه الظروف القاسية تدفع هؤلاء الى عيش حياة متوترة ومنعزلة في الخفاء في انتظار أن تحصل معجزة ويتم تسوية وضعيتهم القانونية.

وكل كتاب وأنتم بخير...   

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق مونت كارلو الدولية

شاهد الحلقات الأخرى