في حلقة هذا الأسبوع من برنامج "قرأنا لكم" نتوقف عند حدث صدور رواية "حرب" للكاتب الفرنسي الراحل لوي فردينان سيلين وهي الرواية التي ظلت مفقودة منذ عقود طويلة وتم العثور عليها بين مخطوطات سيلين المسروقة التي ظهرت للعلن قبل عامين وشكلت حدثا ثقافيا مهما في فرنسا. ذلك أن المخطوطات التي تمت استعادتها تشتمل على حوالي ستة آلاف ورقة بخط سيلين وفيها عدة روايات غير منشورة. وكانت هناك مجموعة من 250 ورقة تشكل رواية "حرب" أو لنقل الصيغة الأولى لهذه الرواية التي يبدو أن سيلين بعد سرقة المخطوطات من بيته عام 1945 في شقته بحي "مونمارتر" بباريس التي غادرها بعد قرب انهزام ألمانيا النازية يأس نهائيا خلال حياتها من استعادتها. وفي عام 2020 أبلغ الصحافي الثقافي جان بيار تيبودا ورثة سيلين بأنه يملك في حوزته منذ 15 عاما مخطوطات شقة مونمارتر المسروقة. وبعد أن حصل الاتفاق بين ورثة زوجة سيلين ودار "غاليمار" انتدبت هذه الأخيرة الأكاديمي والباحث الفرنسي باسكال فوشي المتخصص في أعمال سيلين لتحرير المخطوط وكلفته بكتابة تقديم للرواية. وعما اذا كانت هذه الرواية ستعيد النظر في الرؤية العامة لأعمال سيلين يقول باسكال فوشي:
"أهمية هذه الرواية أنها تؤرخ بصورة واقعية لمرحلة مهمة وحاسمة في حياة سيلين وهي مرحلة مشاركته كمجند في الحرب العالمية الأولى وهي المرحلة التي لم يتناولها في أعماله الروائية الأخرى بشكل مباشر ومستفيض. غير أن هذه الرواية لن تضيف معطيات جديدة أو غير معروفة على مستوى سيرة سيلين الذاتية. نحن كنا نعرف أنه أصيب في الحرب العالمية الأولى وأنه خالط مستشفيين من أجل العلاج. في هذه الرواية نكتشف الجندي فردينان الذي يستيقظ جريحا في ساحة الحرب ويدرك أن الجميع مات حواليه ويتم نقله للمستشفى للعلاج. وهو طريح الفراش داخل المستشفى يسمع أصوات الانفجارات والقصف من بعيد."
حضور الحرب في هذه الرواية تلخصه جملة واحدة من الرواية يقول فيها السارد: "لطالما نمتُ هكذا وسط الضوضاء الفظيعة منذ ديسمبر 2014. لقد أصابتني الحرب في الرأس. إنها محبوسة داخل رأسي".
رواية "حرب" تعكس أيضا الخصائص الأسلوبية التي تميز بها سيلين وبلغت ذروتها في روايته الشهيرة "رحلة إلى أقاصي الليل" ومنها الكتابة القريبة من اللغة اليومية أو العامية والابتكارات اللفظية والأسلوب السوداوي الساخر والمتمرد وهي خصائص مهمة مهدت لحداثة جديدة في الأدب الفرنسي لاحقا وخلقت منه أسطورة أدبية في العالم أجمع.
يذكر أن سيلين ولد في 27 مايو 1894 في بلدة "كوربفوا" بضواحي باريس وعائلته تنحدر من طبقة اجتماعية متوسطة عانت من التحولات الاقتصادية التي وسمت بداية القرن العشرين. اشتغل في مهن متواضعة قبل أن يلتحق بالجيش عام 2012 وعمره 18 عاما. بعد نهاية الحرب العالمية الأولى حاز على الباكالوريا ودرس الطب ثم تم تعيينه طبيبا في جنيف من طرف عصبة الأمم. ذاعت شهرته بعد النجاح الساحق والفوري لروايته "رحلة في أقاصي الليل". وخلال فترة الحرب العالمية الثانية ساند سيلين نظام فيشي المتواطئ مع النظام النازي واتخذ مواقف معادية لليهود وهو ما دفعه الى الهروب الى ألمانيا ثم الدنمرك قبل أن يعود إلى فرنسا حتى وفاته عام 1961.
وكل كتاب وأنتم بخير...
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك