عن أسرار وخبايا علاقتها بالشعر، وتعاطيها معه كممارسة يومية منذ طفولتها الأولى، تحدثت لنا في هذا اللقاء الشاعرة المصرية آلاء حسانين، وأخذتنا الى عوالمها الخاصة والتي يلعب فيها الشعر الدور الأبرز، وتقول آلاء حسانين إنّ الشعر كان لها المنقذ الوحيد في العديد من المناسبات الأليمة والأزمات التي مرت بها وهي مدينةُ له بحياتها.
آلاء حسانين شاعرة مصرية ولدت في السعودية عام 1996 وعاشت فيها ٢١ عامًا. فازت بجائزة اليونسكو عن شعر الفصحى في باريس عام ٢٠١٥ عن عمر ١٩ عامًا.
درست الترجمة في جامعة القصيم وتدرس في قسم الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة.
أصدرت مجموعتين شعريتين
:1 - يخرجُ مرتجفًا من أعماقه.
2 - العهد الجديد كُليًّا.
تصدر لها قريبًا مجموعة قصصية بعنوان: مسحورٌ برهبة الوقوف أمام جثته.
عملت في الصحافة مع عدد من الصحف والمجلات مثل اليمامة والعربية والميادين. شاركت بالتمثيل والكتابة والإخراج في عدد من الأفلام القصيرة والمسرحيات ودرست الإخراج السينمائي في قسم الدراسات الحرة في المعهد العالي للسينما. مهتمة بالرسم والفن التشكيلي وتعمل حاليًا على معرض بعنوان: وجوه عديدة للحزن.
"خرُبٌ بخرابٍ يصنعه بيديه"
وُلدت في قرية مُنتَهكة، نساؤها يَلدون ولا أحد يمسح مفارقهم، يلفظون بنيهم. وأنا، لفظتني أمي. وقع وجهي على جمر، فاشتاط. واختلط بكاء الحرق بأنين الولادة. أسماني الناس، وأمي التي لم يُمسح على مِفرقها، فرّقت عن شفتيها لتنطق باسم تقدمني به إلى العالم، لكنهم أسموني خرِبًا وخَطَّاءً. فأغلقت فاها ورجِعت عن الأمومة، قاس أن تكون أمًا لخَرِب وخطَّاء. وأمي نعجة صغيرة، لو ولدتني في البراري لحنّت عليّ. لكنها لفظتني في قرية مُنتهَكة، وآثرت مصباح الخيمة الذي يومض، على ضوء نار عظيمة في الخارج، يرقص حولها أبناء القرية المُنتَهِكُون.
تركتني لهم، أو أخذوني منها.
كيف يُغير اللفظ ما وقع، يحسنه أو يسيئه؟ تُركت أو أُخذت أو مشيت، مشت بي قدماي أو مشى بي قدري، جلست معهم، نصف وجهي مُضاء، ونصفٌ معتم. ولم آبه كثيرًا، فلم تكن هذه أولى الولادات. فبالأمس، حين كنتُ غضًا، بكَّاءً، رضيعًا مبللًا بالدم، ساقط على جمر، مأخوذ من أمه، أو ملفوظ منها، عضضت على الجمرِ، وابتلعته، واستبدلت قلبي به، وركضت حول خيام الآخرين، ودسست ودائع خربة، وأحرقت نعجاتهم. وقلتُ خرِبٌ بخراب يصنعه بيديه، وخطاءٌ بخطيئة يقترفها.
في منامات الآخرين عويت، وفي ليل أحلامهم ركضت، وعلى أغصان الكروم شنقت نفسي، لأخادعهم وأكدر حياتهم الخربة.
ثم ولدتني أمي مرة أخرى، وجئت لأشهد جنازتي، ورأيت من أحرقت بيوتهم وذبحت نعاجهم يبكون ويألمون، ويقولون الخرب الخطاء مات، ويغسلون أيديهم بالرمل، يكفرون عن خطيئة موتي.
فبكيت على قبري، شفقة وحزنًا وندمًا.
ثم ها أنا، خطاء وخرب جاء إلى قوم يعرفهم ولا يعرفونه، يختلسون النظر إليَّ وإلى بعضهم، يشبهونني بمن دفنوه نهارًا، محاذرين أن يكنوني بما كنوه، وأن يحملونني من ياقتي ويدحرجونني بينهم، خوفًا من أن يكرروا خطيئتهم فيَّ.
وأنا أشرت مرة إلى شجرة كروم بعيدة، في غروب هادئ، فتناقل الأحياء اشارتي، وأضرموا نارًا عظيمة في عظام الشجرة، ليصيروا موتي ماضيًا.
لكن هاجسًا قديمًا في صوتي يعصفُ نوافذهم ويقلق نومهم ويبقيهم ساهرين على تلال باردة منتظرين طيفي.
وأمي التي لم يمسح أحد مفرقها، وحدها تبسم في نومها، وتشد على جسدي جلدها، وحدها تعلم أن ابنًا لها، خربًا وخطاء، دار دورتين في العالم، ليعود وينام بجوارها هذه النومة.
شعر آلاء حسانين
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك