هل عدنا في لبنان إلى النقطة الصفر؟ هذا ما قد يستخلصه المراقب من ممارسات السلطة الحاكمة، ومماحكات أطراف الطبقة السياسيّة، وأحزابها وتيّاراتها، ولا سيّما في مسألة تأليف الحكومة.
لم يبقَ طرفٌ سياسيٌّ كبيرٌ ولا صغيرٌ في هذه البلاد الموجوعة إلّا دسّ أنفه في معركة الحصص والتنازع على الحقائب. كأنّ نصف شعب لبنان ليس تحت خطّ الفقر، وكأنّ الليرة بألف خير، والدين العامّ لا يزال في مستوياته الدنيا، وتفجير بيروت لم يقع، والناس لم يتشرّدوا من بيوتهم، ولا التلاميذ من مدارسهم. وكأن الدواء لا يزال في المتناول، وكذلك الاستشفاء.
أكثر من ذلك، وأشدّ هولًا: كأنّ هذه البلاد لم تشهد منذ سنة ثورةً على كلّ أطراف هذه الطبقة الفاسدة.
ليس من وصفٍ يليق بهذه الطبقة السياسيّة، وأربابها. يعجز الأدب والخيال والهجاء عن ابتكار الكلمات والأوصاف المناسبة التي يجب إسقاطها على أصحاب هذه الوجوه الوقحة الذين لم يتركوا كبيرة ولا صغيرةً إلّا اقترفوها، ولا يزالون رغم ذلك يمعنون في الاقتراف، كأنّ شيئًا لم يكن.
لكنْ مهلًا: هل عدنا حقًّا إلى النقطة الصفر؟
نعم من جهة. لا من جهةٍ ثانية.
نعم أولى، حيث يتحصّن أهل الحكم وراء متاريسهم الطائفيّة ولا يتورّعون عن ممارسة الابتزاز إلى أقصاه، وإنْ تكن النتيجة التضحية بلبنان وبأهله.
في هذه الجهة، جهة السلطة، نحن في النقطة الصفر.
اما من الجهة الثانية، فلا. لسنا ولن نعود إلى النقطة الصفر. لا أحد يستطيع إعادة عقارب الساعة الثوريّة إلى الوراء، مهما تكن الظروف والتعقيدات الراهنة، الداخليّة والخارجيّة، التي تحول دون قيام توازن جديد للقوى بين أهل الثورة وأهل السلطة.
ما بُنِي منذ 17 تشرين الأول 2019، لا أحد في مقدوره أنْ يلغيه أو يدمّره أو يمحوه. هذه الثورة لم تقم على رمل. وإذا كان اهل الحكم لا يزالون يراهنون على المتغيرات الخارجيّة، لإطالة عمر الظلم والهوان وعمر وجودهم في السلطة، فسيكتشفون في غفلة عين انّ الكراسي ستطير، والطاولات التي يجلسون حولها لن تقوم لها قائمة.
لا، لم نعد إلى النقطة الصفر.
جمانة حداد
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك