لماذا علينا أن ننتظر الموت، لكي نقول لمن نحبهم، بأننا نحبهم؟لماذا علينا أن ننتظر رحيلهم، لكي نكتب على مواقع التواصل كم كانوا رائعين، وكم كانوا طيبين، ومبدعين، ومخلصين في صداقتهم، وجادين في عملهم؟ كم كانوا آباء رائعين وأصدقاء صادقين وأزواجا لا مثيل لهم؟
لماذا علينا أن ننتظر أن لا يكون بإمكانهم الاطلاع على مشاعرنا الرائعة، حتى نعبر عنها؟
بل لماذا علينا أن نقسوا على بعضهم وهم أحياء، لكي نغدق عليهم عبارات الحب والإعجاب بعد رحيلهم؟
الأسابيع الأخيرة عرفت رحيل عدد من الشخصيات الشهيرة في المغرب، بعضها رحل بسبب كوفيد 19 والبعض الآخر لأسباب أخرى.
القاسم المشترك بين هذه الوفيات، هو كم المنشورات الطيبة حول الراحلين وكيف أن موتهم خسارة لأسرهم وأحبابهم وزملائهم... وللوطن!
بالمقابل، فالبعض منهم تعرض للكثير من القسوة في حياته. تعليقات ساخرة تمس الشخص بدل إنجازاته، نكات قاسية تنتشر على مواقع التواصل، منشورات مهينة يتقاسمها الناس فيما بينهم...
وأغلب الظن أن هؤلاء اطلعوا على العبارات والنكات القاسية والسخرية المهينة قيد حياتهم... لكنهم بالتأكيد لن يطلعوا على كلمات الحب بعد موتهم!
فهل نعي هذا ونحن نقتسم ببعض العبث كل تلك الكلمات والفيديوهات والصور الساخرة؟ هل ندرك كم من الألم قد نسببه للآخر لمجرد سخرية عابرة؟
وهل يكفي، بعد وفاة هؤلاء، أن نكتب كلمات طيبة لن يطلعوا عليها، وأن نمدحهم ونتأسف على موتهم؟
اليوم، كل من حولنا، بمن فيهم نحن، مهددون بالرحيل في أي لحظة. سكتة قلبية. مرض. حادثة سير. تتعدد الأسباب والموت واحد. لماذا علينا أن ننتظر رحيل من نحبهم لكي نكتب لهم كلاما طيبا ولكي نعبر لهم عن حبنا؛ سواء من تربطنا بهم علاقات شخصية أو من نعرفهم عن بعد، كفاعلين في ميادين الإعلام والفن والثقافة وغيرها؟
في كل لحظة، قد نرحل قبل أن نقول لهم كم نحبهم ونحترمهم.
وفي كل لحظة، قد يرحلون قبل أن نفعل.
فهل يمكن أن نعوض بعض القسوة وبعض اللامبالاة... بكثير من الحب والصدق، مادامت الحياة تسمح لنا بذلك؟
سناء العاجي
كاتبة وصحافية مغربية، لها مشاركات عديدة في العديد من المنابر المغربية والأجنبية. نشرت رواية "مجنونة يوسف" عام 2003 كما ساهمت في تأليف ثلاث كتب مشتركة: "رسائل إلى شاب مغربي"، "التغطية الصحافية للتنوع في المجتمع المغربي" و"النساء والديانات". نشرت عام 2017 كتاب "الجنسانية والعزوبة في المغرب"، وهي دراسة سوسيولوجية قامت بها للحصول على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من "معهد الدراسات السياسية" في إيكس أون بروفانس بفرنسا.
فيس بوك اضغط هنا
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك