بدأتُ في الفترة الأخيرة في مراجعة نفسي لأفهمَ "ما الذي يجعلني فعلاً أشعر بالسعادة؟"، فقررت مراقبة نفسي أثناء قراءتي للمواضيع المنشورة والمشاحنات السياسية، ووجدت أنني خلال قراءتي لها ومتابعة المتحدثين بالسياسة أشعر بالتوتر، تغريدة فلان تجعلني أجز على أسناني، معارك علان تجعلني أشعر وكأنني معه في ساحة حرب.
هل أنا فعلا أحب هذا العالم وأنتمي له؟ بالتأكيد هناك من يجد سعادته ومتعته في هذا المحيط، ولكن بالتأكيد أنني لم أجد غير التوتر، والتعاسة، وقلة الراحة، فلماذا يا ترى كنت أرغم نفسي على ذلك؟ شعور بتأنيب ضمير ربما، أنا لو عشت سعيدة هناك من يعاني لذلك عليَّ أن أعاني مثله، هل هذا صحيح؟
هل ستغيّر معاناتي شيئاً أم سيزداد عدد التعساء واحداً، وهو أنا. ما الذي سيستفيدهُ التعساء من تعاستي معهم؟ أليس من الممكن أنني سأستطيع أن أساعد نفسي والآخرين عندما أفعل ما أحب؟
لكي أجيب عن هذا السؤال قررت أن أتخذ المسار العلمي، وأجرب أن أقوم به لأرى النتيجة. كما قد يعرف بعضكم أنا ابتعدت عن الحديث عن السياسة منذ سنوات ولكنني لا زلت أتابع المشاحنات على موقع تويتر، والذي أصبح موقعاً للتوتر. ويبدو أن التوقف عن الكتابة في السياسة ليس كافياً، فأنا لازلت أنفعل، وأغضب، وأحزن عندما اقرأ هذه المواضيع بشكل يومي لساعات طويلة.
ولكنني أريد أيضا أن أكون على اطلاع بما يحدث في العالم. وكان الحل الوسطي المنطقي هو أن أقرأ الأخبار، ولكن دون أن أغوص فيها. لماذا أغوص إن كان هذا ليس من اهتماماتي، لست محللة سياسية مضطرة لمتابعة ما يقوله كل سياسي، والمشاحنات التي تحدث بالتفصيل، ولست –كذلك - عاملةً في السياسة، أو الصحافة السياسية، وإدماني على "البحلقة" في شاشة الهاتف، والحاسوب، والانفعال بالأحداث السياسية بدأ في ٢٠١١ فماذا كنت أفعل قبل ذلك؟
بالرجوع بالذاكرة إلى ما قبل ٢٠١١ كنت أحب الكتابة القصصية، كنت أحب القراءة في مواضيع الكثير منها يتعلق بالروحانيات، كنت أحب التأمل، واستكشاف ذاتي، وتطويرها، فلماذا توجهت لعالم الشحناء، والتباغض، والتوتر؟ هذا ليس عالمي.
قررت فعلا أن أخفف متابعاتي، وأن تُحصَر بمعرفة ما يدور دون الغوص في المشاحنات، وفعلا تغير الكثير، الابتعاد سابقا عن الكتابة في السياسة جعلني أقل توترا، ولكن الابتعاد عن الغوص في السياسة، والابتعاد عن مشاعر الألم والذنب جعلني أحب الحياة لأنني اخترت نفسي.
ليس من العيب أن تختار نفسك وسعادتك، وأن تعود لداخلك وتسألها ماذا تريد.
وجودك هنا ليس بغرض المعاناة، أنت موجود لتشارك العالم فرديتك وتستمتع بذلك. معاناتك لن تجعل العالم أفضل وإنما العكس..
إفعل ما تحبّ، تجد ما تريد.
هند الإرياني
هند الارياني، صحفية وناشطة اجتماعية، مدافعة عن حقوق المرأة والطفل، حاصلة على جائزة المرأة العربية لعام ٢٠١٧.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك