كان الواحد أو الواحدة منا، لا يملك الوقت ليحكّ شعرَ رأسه، في الزمن السابق على وباء الكورونا. دولاب الأيّام، وهو دولاب زمن ما بعد الحداثة، كان يدور بسرعةٍ مرعبة، وكنّا في غالبيتنا نجد أنفسنا مضطرين إلى أن نلهث وراءه من أجل أن نحظى بالقدرة على المواءمة بين الزمن الشخصي للحياة، وبين الزمن العامّ.
هذا كان قبل فاجعة الكورونا، التي قلبت وجودنا كلّه رأسًا على عقب. اليوم، في زمن الكورونا المتواصل هذا، أُدخِلتْ الحياة في نفقٍ وجوديّ مجهول، بحيث أصبح الوقت كلّه، النهار كلّه، الليل كلّه، والعمر كله، موضوعًا أمام المرء على الطاولة، كما لو كان جامدًا، أو لنقل، في الدرجة صفر من الحركة.
إنه زمن البطء بامتياز. كيف يعيش المرء هذا البطء؟ كيف يتعامل معه، وكيف يتغلّب على رتابته المحتملة، وهو مجبرٌ على الرضوخ لقوانينه القسريّة، التي تفترض، في جملة ما تفترض، ما يشبه الامتناع عن الحركة؟ كيف يمكن للواحد منّا أن يقتل الوقت؟
الجواب بسيط: ليس الحلّ في قتل الوقت، بل في التصالح معه وتلمّظه. لا مبرر للاكتئاب ولا للضجر ولا للتأفف. بل ثمة حاجةٌ لإدراك "النعمة" المحمولة على أجنحة البطء هذا. فعلاً، وبحسب تجربتي الخاصة، فإن الحلّ يكمن في تقبّل هذا الوقت الذي يوصف بـ"الميت"، وفي عيشه برحابة، وفي التعامل معه باعتباره ربحاً مؤقتاً، وفرصةً قد لا تتكرّر. هكذا يفقد الحجر منطقه القسريّ والقهريّ، ويصبح حرّيّةً مطلقة، ومعه يصبح البيت وطنًا، ومساحةً كونيّة مشرّعةً على المطلق.
أجد نفسي معنيًّة بامتداح زمن البطء هذا، على الرغم من الفظاعات التي شهدتها الانسانية بسبب الجائحة، لأنه شكل بالنسبة إليّ فرصةٌ نادرة للتفكير والتأمل وإعادة النظر والتغذية الروحية والأدبية، ولعيش الوقت والحياة كما لم يُعاشا من قبل، وللانتقام من عبثية الزمن اللاهث بسرعةٍ فائقة وراء السرابات المستحيلة.
جمانة حداد
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك