هناك نوع من الجدل اللي بيطفو على السطح في مجتمعاتنا في ما يختص بأهمية القراءة، قد تبدو الجملة غريبة والمنطق مختل، لكن هناك فئة بالفعل بين الحين والآخر تعلو أصواتها بعدم أهمية القراءة، أو أن الكتاب الوحيد الذي يستحق القراءة هو كتاب الله، وأن لا كتاب يستحق القراءة غيره، أدبيا كان أو علميا.
وهو جدل غريب إذا حدث في أي مجتمع آخر. لكنه هنا معتاد ومتوقع ولما بيحصل لا يتم استغرابه. فآذاننا وعقولنا ونفوسنا تم تدريبها على اعتبار فكرة ألا تقرأ غير كتابك المقدس، فكرة مقبولة بل وأحيانا مستحبة. في بعض المجتمعات بيسموا ده انعزال وتزمت وانقطاع عن العالم. هنا بيسموا اللي بيعمل كده شخص بركة وعلى خلق.
ولا يقتصر الأمر على الأشخاص الميالين للتدين فقط. فيه ضغط مجتمعي على الجميع بإعلان عدم اهتمامهم بقراءة أي شيء آخر.
كان هناك سؤال معتاد مثلا في برامج المنوعات تسأله المذيعة الشقراء لضيفها الفنان: لو قالولك هنحطك لوحدك في جزيرة، وهتاخد معاك كتاب واحد بس، هيكون كتاب إيه؟ يجيب الفنان من فوره : القرآن. يعرف الضيف بالفطرة إن السؤال ده اتسأل تحديدا عشان يجاوب عليه بالإجابة دي، بل إنه مابيفكرش في السؤال للحظة لأنه لا يتخيل إن ممكن يكون له إجابة مختلفة.
أنا مثلا ممكن أتخيل إجابة تانية للسؤال ده، لو حطوني في جزيرة لوحدي وخيروني إني آخد معايا كتاب واحد، هيكون كتاب (كيف تبني مركبا).
لكن على أي حال، ليه ما ياخدش الفنان معاه كتابه المقدس، ما هو حر، يمكن تعجبه الجزيرة ويقرر يعتكف فيها بقية حياته، من ناحية المبدأ لا يحق لأحدنا الاعتراض.
وهذا المبدأ تحديدا هو ما أخل به أحد كبار الكتاب الصحفيين الأسبوع الماضي لما خرج في برنامجه التلفزيوني يحكي عن إنه دخل صيدلية فوجد الصيدلي بيقرا قرآن، ومن وجهة نظره فالصيدلي لو عنده وقت يقرا أثناء عمله فيجب عليه أن يقرا في علم الأدوية، وإن المشهد ده فكره ليه التطرف الديني منتشر في المجتمع.
الحلقة أثارت ردود أفعال واسعة معظمها تراوحت بين الاستهزاء والاستهجان، فمن ناحية فالكلام بيتضاد بشدة مع ادعاءات العلمانية والدفاع عن الحريات، ومن ناحية أخرى فهو مس الوتر الحساس اللي لا يمكن التسامح بمسه في المجتمع.
وأنا وإن كنت متعاطفة مع الفكرة اللي ورا الكلام، الضجر من إصرار المجتمع على تعظيم فكرة إنك غير مطلوب منك غير القراءة في الدين، لكن من ناحية أخرى فليس هكذا تتغير أفكار المجتمع، لا بالسخرية ولا بالتعالي ولا بإنكار الحريات على أصحابها. حتى لو كان الهدف البعيد هو إبعاد فكر المجتمع عن التطرف والتزمت والانغلاق، لا تكون الوسيلة هي أن يحدد البعض ما يجب أو لا يجب للبعض أن يقرأه.
غادة عبد العال
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك