قالت لي جارتي إنّ شهر كانون الأول هو أصعب الشهور عليها، معنويًّا ومادّيًا واقتصاديًّا واجتماعيًا، لما يتزامن معه من استحقاقات ثقيلة لا طاقة لها على احتمالها.
قالت لي إنها على سبيل المثل لن تستطيع أن تدفع أجرة الأوتوكار بعد الآن لإرسال ابنتها إلى المدرسة.
وقالت لي إنّها بالطبع لن تستطيع أن تشتري لها فستانًا جديدًا، ولن تستطيع أن تزيّن من أجلها شجرة الميلاد ورأس السنة ولا أن تضع فيها لمبات الإضاءة.
جارتي هي نموذج واقعيّ دقيق لغالبيّة الناس الذين كانوا يؤلّفون الطبقة الوسطى في بلاد الأرز، والتي اندثرت إلى غير رجوع، على قرع حوافر الوحوش في الطبقتين السياسية والمالية.
لكنّي في الحقيقة لا أستطيع أن أصدّق. لا أستطيع أن أصدق أن الحد الأدنى للأجور في لبنان لا يتعدى الـ 21 دولارًا. ترى، ماذا يستطيع المرء أن يشتري بواحد وعشرين دولاراً في الشهر؟ هل يستطيع أن يشتري ربطة خبز يوميّة؟ هل يستطيع أن يشتري علبة بنادول واحدة في الشهر؟ ماذا يستطيع أن يفعل بواحد وعشرين دولارًا؟ يستطيع أن يفعل لا شيء تقريبًا.
وإذا مات المرء، من أين لأهله أن يشتروا تابوتًا ليُدفَن فيه؟
علمًا أن الطبقة الحاكمة ممعنة في الاستهتار إلى درجة أنها غير معنية على الإطلاق بما انتهى اليه وضع الناس، ووضع الجمهورية اللبنانية ككل، ولا سيما حالة الإفلاس الأخلاقي والقيمي والمالي والسياسي، والعجز عن تقديم وعد متواضع – أي وعد – باحتمال الخروج من النفق المأسوي.
هذا كلّه يجري في لبنان، في سويسرا الشرق، على مرأى ومسمع من العالم الديموقراطيّ الذي يوصف بأنه العالم الحر.
ترى، ألم يحن الأوان ليتخذ المجتمع الدوليّ قرارًا أخلاقيًّا بلزوم وقف هذه الجريمة ضد الانسانية التي تُرتَكَب في لبنان؟
يا عيب الشوم!
جمانة حداد
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك