في بدايات العام الجديد يحلو للبعض أن يذكر إنجازات وانتصارات العام الماضي، ويحلو للبعض الآخر وضع قائمة بما يود إنجازه في العام الجديد، فتمتلئ آذاننا وعيوننا بأخبار عن قراءة هذا ل ٢٠٠ كتاب، ومشاهدة تلك ل ١٠٠ فيلم، فلان أتم تعلم لغتين أجنبيتين، وفلانة أنهت دراسة ٢٠ كورس جديد أونلاين.
أما عن العام القادم فقائمة إنجازاته المتوقعة تشمل الالتزام بالريجيم، الانتظام في الجيم، السفر لعدد لا يقل عن عدد أصابع اليدين من البلاد الأوروبية، الانتهاء من كتابة روايتين ومجموعة قصصية، والقفز بالباراشوت من فوق قمة الهرم.
أما الكسالى أمثالي فننظر لكل هذا ونصفق للجميع و احنا بنقولهم (برافو بس ما تعملوش حسابي معاكم).
في رأيي -وربما كان اقترابي من منتصف الأربعينات سبب لهذا الرأي – أن الركض المستمر خلف ضرورة الإنجاز بيفقد الحياة متعتها. فيه نوع من اللهاث بقى صوته مستمر ومسموع حوالينا في كل مكان، مصدره ناس بيقيسوا الإنجازات بالكيلو ولابد لقائمة مهامهم اليومية أن يكون طولها عدة أمتار. هؤلاء من وجهة نظري الشخصية بيخطئوا فهم عبارة: (الكنز في الرحلة)، وبيعتقدوا ان الرحلة لابد وأن تكون داخل مغارة علي بابا المليانة بالكؤوس والنياشين المكدسة بطريقة تخلينا صعب نشوف تفاصيلها أو نتذكر مناسباتها أو شعورنا وقت الفوز بيها.
لهذا ربما تجد معظم الناس غير راضيين عن حياتهم حتى لو كان الآخرين بيحسدوهم عليها، فيه شعور دائم إن فيه حاجة ناقصة، حاجة لسه ما وصلنلهاش، لسه الجزرة اللي سابقانا في تراك السبق ماطولنهاش.
ماعادش حد فينا بيتوقف عشان يشم الزهور زي ما اخواتنا الأجانب بيقولوا. ماعادش حد بيقدر قاعدة رايقة مع الصحاب بيتخلللها ضحك بلا سبب، أو كوبايتين شاي وقت العصرية مع أم أو أب بيحكولنا ذكرياتهم اللي حكوهالنا مليون مرة ومع ذلك سماعنا ليها لا يمل، أو يوم شغل يمر بدون مشاكل أو أسافين، يبدأ وينتهي في معاده ويعتبره البعض يوم روتيني، لكن في روتينيته رحمة، ابتسامة ابن أو ابنة لما تديهم حاجة تافهة زي بالونة أو قطعة حلوى أو حتى حضن بدون مناسبة يردوه هم كمان بحضن وكلبشة من الصوابع الصغيرة في اكتافنا اللي مسنودين عليها، يوم مشمس حرارته معتدلة بيحلم بيه ناس بيعيشوا شهور طويلة وسط البرد والصقيع، أغنية حلوة تصادف إذاعتها وقت إشارة طويلة فتهون وقت الانتظار، فنجان قهوة مظبوط ظبطة تخليك تقول: الله، وتمصمص شفايفك وانت بتدعي للي عملهولك إنه تسلم إيديه.
فيه متع كتير في الحياة ولحظات سعادة كتيرة ممكن نستمتع بيها بدون ما نجري وراها مقطوعين الأنفاس. ومش كل اللي هيسعدنا هيكون مكتوب في لستة لابد إننا نخلص اللي فيها قبل انتهاء العام الجديد. ساعات بتبقى أكتر لحظات الحياة سعادة هي أبسطها، بس مين ياخد باله وسط السباق والمتنافسين؟
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك