مدونة اليوم

غادة عبد العال: " أنا ماما"

نشرت في:

منذ وفاة أمي في العام ٢٠٠٣ وأنا أعتبر عيد الأم عيد للحزن والشجن، فمهما مرت السنوات يظل فقدانك لأمك حدث جلل لا يمكنك تخطيه أبدا بشكل كامل. فأنا ومع أني تخطيت ال٤٠،  كانت ومازالت  أغاني عيد الأم تؤلمني كالإبر، العروض ومواسم التسوّق والخصومات الموجهة لعيد الأم تفتح جراحي، كنت بحاول أختفي من الساحة العامة مع بداية شهر مارس من كل سنة، أغلق مواقع التواصل الاجتماعي، أتوقف عن سماع الراديو وقت القيادة، أطلب جميع متطلباتي أون لاين حتى لا أضطر للذهاب لمول أو سوبر ماركت وتقابلني الزينات والأغاني اللي بتخنقني بشكل حرفي.

مونت كارلو الدولية
إعلان

لكن مهما كانت قدرتي على الاختفاء فكان لا مفر من تسلل إشارة ما للعيد الحزين إلى حياتي، ووقتها كنت أدخل في نوبة اكتئاب لا تنتهي إلا بانتهاء شهر ميلاد الربيع.

فقد كانت أمي هي صخرتي، فاكرة كل طبطبة في أوقات الحزن وكل دفعة من إيديها لقدام. بحاول أحقق أحلامها اللي كانت بتحلمهالنا وابعد عن إني أكون النسخة اللي كانت بتكرهها من الناس.

في فترة من عمري كانت أمي هي محور حياتي، وبعد وفاتها ظلت جزء كبير منها إلا أن الجزء ده بقى محاط دائما بالحزن.

لكن هذا العام الأمر مختلف. هذا العام أصبحت أنا ماما. صحيح مش بالطريقة العادية اللي كانت أمي بتتمناها، مش عن طريق زواج وإنجاب، لكن عن طريق تبني طفل جميل ملأ حياتي بالحب والحنان والشقاوة والإحساس بالمسئولية. وفجأة أصبح عندي سبب للاحتفال. وأخيرا أصبح عندي وسيلة للفهم.

قدرت أفهم دلوقتي إحنا كنا بنمثل إيه لأمي؟ وليه كانت آخر كلماتها قبل ما تتوفى في بلد بعيدة كانت سؤال: (هاموت بعيد عن ولادي؟) إذا كنت قبل احتضاني لإبني مرتبطة بأمي قيراط، فبعد الاحتضان أصبحت أكثر فهما وارتباطا ٢٤ قيراط.

فهمت إن الدافع لتصرفات الأمهات لا يمكن فهمه، هو شيء أشبه بمنحة إلهية غير قابلة للتفسير. لا يهم إذا كنت حصلتي على أولادك بطريقة بيولوجية أو بطريقة مختلفة، لكن وقت ما الست تقرر تبقى أم فكأنها بيتم خلقها في قالب جديد، بقواعد جديدة، ورغبات ومحاذير ومخاوف جديدة.

يتم استغلال ده بطبيعة الحال من المجتمع، فيتم إلقاء المزيد والمزيد من المسئوليات على عاتق الأم، وكأنها لابد لها أن تكون هي الأساس والميزان والظهر الذي يحمل الجميع.

كنت دائما ناقمة لاستسلام الأمهات لهذا الاستغلال، لكني أصبحت أكثر فهما لإن معظم الأمهات بتتقبل كل ده فقط لأنه بييجي مرتبط بأولادهم. فتلك الصلة والرابط السحري بين الأم وأولادها (أيا كانت الطريقة اللي جاءوها بيها) بتخلي كل شيء محتمل لخاطر العيون الآمنة والابتسامات البريئة والأحضان الصغيرة التي تحتوي على الدنيا ومافيها، هي حاجة لازم نقاومها، لكني أصبحت فاهمة إن المقاومة مش بالسهولة اللي كنت متخيلاها.

كل عام وأمي بخير، في مكانها في الجنة، كل عام وأنا أقرب وأقرب لفهمي لها ولحبها ولتضحياتها، وكل عام وأنا أحاول أن أكون نسخة منها لأكون لطفلي ما كانت هي لي. وكل عام وكل من حضرت أمه مستأنس بوجودها ومن فقدها مستأنس بذكراها.

غادة عبد العال   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غادة عبد العال

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق مونت كارلو الدولية

شاهد الحلقات الأخرى