ما الذي يحدد تحضّر الدولة؟

سأقول لكم ملاحظاتي، ولكن أعتذر عن ذكر ما هي هذه الدول لتجنب أي مشاكل مستقبلية، فللأسف حقوق الإنسان تتراجع يوميا، ولا نضمن أن أي كلمة قد تؤدي لما لا تحمد عقباه، لذلك سأكون جبانة، وأتجنب ذكر الدول، ولكن ما يهم هو الفكرة الأساسية من الموضوع.

أول مثال هو ذلك البلد الذي لديه مطار ضخم، والكثير من العمال الذين تجدهم لـ٢٤ ساعة يقومون بتنظيف المطار، والحمامات التي فيه، وهناك أجهزة حديثة في هذه الحمامات، وأيضا تجد الكثير من المقاعد التي فيها كابل يسهل عليك شحن الهاتف، أو الكمبيوتر الخاص بك. الكثير من المطاعم والمحلات الراقية، التكنولوجيا الحديثة، السيارات الصغيرة التي تنقل المسافرين في هذا المطار الكبير إن كنت تحتاج لعربة سواء بسبب مرض، أو فقط لأن لديك الكثير من الأموال، وتريد تجنب المشي الطويل. كل هذا جميل جداً، ولكن؟ هناك شيء مهم ينقص هذا المطار، وهو حسن التعامل، في هذا المطار الجميل تجد العاملين في المطار يعاملون المسافرين بطريقة سيئة جداً، مزاجهم متعكر، وكأنهم لا يطيقون عملهم.

يُقال إن هذا طبع المواطنين في هذا البلد بشكل عام، ولكنك قد تتوقع أن من صرف كل هذه الأموال لجعل هذا المطار بذلك التحضر قد يهتم، ولو قليلا بتدريب العمال ليتعاملوا بإنسانية مع المسافرين خاصة وأنه مطار يستقبل الآلاف يوميا!

ولكن -وكما يبدو- أن هذا التحضر شكلي، ولم يصل لتحضر حقيقي في شعب هذا البلد. عدا طبعا تعاملهم خارج المطار، في بلد سياحي يستقبل الملايين، ويعتبر بلدا ثريا، السير في الطريق يعتبر مخاطرة حيث لا يهتم السائقون بمن يعبر في خط المشاة، وتشعر بأنك ستتعرض للدهس في أية لحظة.

العكس تماما في بلد آخر، مطارهم ليس ضخما، وليس بذلك التطور بينما التعامل مع المسافرين في منتهى الرقي، والإنسانية، وعندما تخرج تجد السيارات تحترم المشاة. تشعر بأنك إنسان له قيمة.

هؤلاء لم يضطروا لتصنع دور الدولة المتحضرة عن طريق البناء الضخم، والرفاهية التي تغطي سوء الأخلاق، والعجرفة. برأيي أن الدولة المتحضرة هي في المثال الثاني، الدولة التي تشعر فيها بأن إنسانيتك تحترم بطريقة التعامل معك، وليس بالبناء الضخم، والأموال التي تصرف على مظاهر خادعة. هل توافقونني الرأي؟