التراث الغنائي الفلسطيني يصارع من أجل البقاء... ويبقى

احتاج ألبوم "دابا يا قلبي دابا" إلى إصرار لا متناهٍ وصبر طويل وقدرة على التحمّل كبيرة لتنفيذه وتسجيله. المشروع طموح، الغاية منه توثّيق تراث غنائي فلسطيني مهدّد بالاندثار ويعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، بداية القرن العشرين.

غزّة وبعد ...

تنفيذ ألبوم موسيقي هو عملية صعبة بحدّ ذاتها فكيف إذا كان الألبوم يضمّ تراثاً غنائياً في منطقة دير البلح في غزّة ويعيش بعضٌ من المشرفون عليه في غزة والبعض الآخر في رام الله. يُضاف إلى التعقيدات الجغرافية، تعقيدات إنسانية، ذلك أنّ النساء اللواتي يؤدين هذه الأغنيات التراثية أصبحن كبيرات في السن وباتت ذاكرتهن ضعيفة وبعضهن فارق الحياة. لكن ريم أبو جبر، المدير التنفيذي لجمعية "نوى"، لم تتوقف عند كلّ هذه العوائق بل مضت قُدُماً في المشروع وراحت تستعلم، بشيء من الارادة الصلبة، عن هذه الأغنيات ودرست كلماتها وحاولت فهمها وقامت ببحوث عن مصادرها الأساسية وتعلّمت حتّى كيفية آدائها وحفظت كلّ الحكايات والخرافات المتعلّقة بها حتّى أصبحت جُزءاً من حياتها الخاصّة. كلّ شاردة وواردة في هذه الأغنيات باتت من إختصاص ريم أبو جبر التي واكبت المشروع عن كثب بالتعاون مع سامر جردات مؤسس شركة جفرا للإنتاج.

رام الله وبعد ...

سامر جردات تابع مراحل الألبوم من رام الله. وبدأ التعاون إفتراضياً عبر وسائل إتصال متنوّعة منها تطبيق زوم والواتساب وشبكة التواصل الاجتماعي. كان لا بدّ من الاتفاق على وقت يكون الفريق العامل على تنفيذ هذا المشروع حاضراً للتواصل ومن ثّم، كان لا بدّ من توضيح الصورة العامة حول الصيغة النهائية لتفادي سوء الفهم والمشاحنات غير الضرورية. كان لا بدّ أيضاً من الاستماع إلى الأغنيات الأساسية ومن ثمّ النظر في كيفية إعادة تسجيلها. الأغنيات القديمة كانت بمثابة محاكاة مغنّاة تؤدّيها النساء فقط وتعبّرن فيها، ومن دون موسيقى، عن مشاكل الحياة اليومية. فطُرح السؤال عمّا إذا كان من اللازم أن تؤدي هذه الأغنيات أصوات نسائية أم يمكن فسح المجال للرجال بغنائها أيضاً؟ لازم الأمر أشهراً من الأخذ والردّ قبل أن يصدر الألبوم. فإذا بكلّ التعب، الذي رافق تنفيذه، يتبدّد ولم يبقَ سوى السعادة والفخر بصدوره.

المغامرة مستمرّة لإنتاج ألبوم ثانٍ يضمّ مجموعة أخرى من التراث الغنائي الفلسطيني إحياءً للماضي واستمراريةً للذكرى كي لا تنسى الأجيال القادمة ماضي فلسطين التي تصارع من أجل حاضرها ومستقبلها.