يقفُ "مراسي" هذهِ المرّة في فلسطين عند قوالبِ الموسيقَى المتنّوعةِ التِي يزخرُ بهَا التراثُ مع الفنّانةِ الفلسطينيةِ والباحثةِ سنَاء موسى التِي أطلقت برنامجا تلفزيونيا "الترويدة" يُعنَى بهذهِ الألوانِ في محاولةٍ للحفاظِ عليهَا من الاندثار وسطَ غياهبِ النسيانِ.حاورتَها ميشا خليل.
القصّة.. أصلُ القصّةِ وأصلُ القالبِ:
إنَّ الحافزَ الرئِيسي بالنسبةِ إلى سنَاء موسى هو النبشُ عنِ القصّةِ وفِيهَا تحديدًا. وهذَا الدافعُ الذي وضعَ بعد جهدٍ وبحثٍ حثيثين مولودا انتقتْ لهُ اسم الترويدةِ نسبةً إلى أكثرِ قالبٍ موسيقيٍّ تحبّذهُ الفنّانةُ.
والقصّةُ بالنسبةِ إلى موسَى لا تقلُّ أهميّة ً عن الأغنيةِ وعن قالبهَا فهي مَا تُعطِي العُمقَ للأغنيةِ ذلكَ أنّ الفنَّ بدونِ رسالةٍ وبدونِ قصّةٍ لا معنَى لهُ، فنّ ٌ ينقصهُ العمودُ الفقريُّ. وبهذَا المعنَى فإنَّ الأغنيةَ تعكسُ ما عاشهُ الشعبُ على أرضهِ.
ففِي كلِّ أغنيّةٍ جديدةٍ أرشفة ٌ جديدةٌ تسمحُ بالوصولِ إلى ما بعدَ اللحنِ وما بعدَ الكلمةِ، إلى القصّةِ والتاريخِ والجذورِ الضاربةِ في الأرضِ.
الرحلةُ والبحثُ:
تعودُ أولى لبناتِ رحلةِ البحثِ فِي هذا المشروعِ إلى سنةِ 2005 حين انتبهتْ موسَى إلى نمطٍ معيّنٍ خاطبَ فِيهَا الذاتَ الباحِثَةَ في علوم الدماغِ فقررّت أن تغوصَ أكثرَ في هذهِ الموسيقَى.
السفر برلك:
لعلّ أكثرَ قالبٍ انتشرَ فكانَ شرارةِ النبشِ في القوالبِ الحافّةِ بهِ. فأخذت تتثبّتُ من صحّةِ هذا اللحنِ وهذهِ الأغنيةِ وهذهِ الحكايةِ فكان أن تواصلت مع نساءٍ تجاوزن العقد السابعَ لمزيدِ التمحيصِ فسألتهنَّ عن القَوالبِ الخَاصّةِ بتلكَ الفترةِ. وهُمَا قالبانِ رئيسيانِ يحكي أوّلهما سيرةَ وداعِ النساءِ لأزواجهنِّ وأبنائهنَّ المغادرين عبر البحرِ قسرًا بسببِ التجنيدِ الإجباريِّ العثمانِيِّ. ويُسمّى هذَا القالبُ الشعلياتُ.
أمّا الثانِي فموسومٌ بـِأغانِي الفرايرية عنِ الفاريّنَ منَ الخدمةِ العسكريّةِ العثمانيةِ المحكومونَ بالإعدامِ فيصفُ هذا القالبُ خوفهُم ومعاناتهم في حياةِ التشرّدِ والبراري.
جديرٌ بالذكرِ أنّه خلال هذا البحثِ وصلت الفنّانةُ إلى أن هذا القالبَ يتقاطعُ مع قالبٍ تركيٍّ يحملُ ذاتَ الاسمِ "سفر برلك" تناجِي فيهِ الأمّهاتُ والنساءُ الأتراكُ أبناءهُنَّ الغائِبينَ قسرًا بسببِ التجنيدِ العثمانِيِّ نفسهِ.
وكانَ هذا البحثُ الأوّلُ نقطةَ انطلاقٍ نحو قوالبَ أخرىَ أنتجَتهَا أطرٌ أخرى شأنَ عامِ الجرادِ وعامِ المجاعةِ على سبيلِ المثالِ.
التراث الغنِائِيُّ والنساءُ:
ترَى سناء موسَى أنّ النساءَ هُنَّ حارساتُ هذا التراثِ فقد ساهمنَ حتّى فِي نقلِ القوالبِ التي كانت حكرًا على الرجالِ مثلَ السامرِ والشوباش والزجل.
وتعزوُ موسى ذلك إلى أنّ خصوصيّة علاقةِ النساءِ بأولادهنِّ واستثمارهنَّ وقتًا أطولَ معهم مكّنهُنَّ من تمرير هذَا الموروثِ إلى الأجيالِ اللاحقةِ بسلاسةٍ.
الترويدة:
تعتبرُ الباحثةُ أنَّ هُناكَ تقاطعاتٍ بينَ التراثِ الموسيقي الفلسطيني وبين التراثِ المصري والتراثِ السوريِّ والتراث اللبنانِي وكذا الشأنُ مع مناطقَ أبعد في الفضاءِ العربِيِّ.
وبرنامج "الترويدة" ثمرةُ هذا البحثِ والجهدِ لسنواتٍ طويلةٍ. وهو يسعَى أسَاسًا إلى تأصيلِ أنماطٍ وقوالبَ غنائيةٍ مختلفةٍ من هذا التراثِ الفلسطيني عبر البحثِ في اصولهِ وتاريخهِ.
ومن أهدافهِ أن يعيدَ تجميعهَا وقولبتَهَا قبلَ أن يقدّمهَا في حلّةٍ جديدةٍ مع المحافظةِ على خصوصيّتِهَا.
لماذا الترويدة؟
يندرجُ هذا القالبُ تحتَ اسمِ "التراويدِ" وهو قالبٌ خاصٌّ جدًّا عادة تغنيّهِ النساءُ فقط. يحتوي على تراويدَ مشفّرةٍ تعتمدُ على تقنيةِ الترميزِ عبر تشفيرِ الكلماتِ بإضافةِ حروفٍ تُلصقُ بالنصِّ الأصليِّ حتّى يصعبَ فهمهَا وهي غالبًا تخصُّ أغانيَ الحبِّ وأغانِي الثورةِ. إنّهُ قالبٌ قديمٌ يغُنّى في الكرومِ وفي وداعِ العروسِ وفي الثوراتِ
الآفاق: موسيقَى الساحل!
ترمِي سناء موسى شباكَ بحثِهَا القادمةِ نحوَ ما أسمتهُ "موسيقى الساحلِ" الذي تعتبرُ أنّهُ ماتَ مع موتِ الصيّادينَ الفلسطينيين بعد النكبةِ ذلكَ أن توارثَ هذا القَالبِ كانَ صعبًا بعد التهجيرِ سنة 1948.
والبحثُ القادمُ محاولة ٌ تنطوي ضمنَ مشروعِ توثيقِ كلِّ جزءٍ من أجزاءِ الذاكرةِ الجماعيّةِ الفلسطينيةِ انصافًا للتاريخِ وللرسالةِ الفلسطينيةِ.
بعض من أغاني هذا القالب:
https://youtu.be/ynLL8M5-6aA
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك