شبكة الإنترنت في ثورة مصر
كيف تتعامل وكيف تستخدم الأطراف السياسية التي أفرزها الربيع العربي شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي؟ بداية كيف اُستخدمت في مصر أدوات الشبكة.
نشرت في: آخر تحديث:
تحدثنا كثيرا عن دور الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في نجاح حركات الاحتجاج الجماهيري التي أدت إلى إسقاط عدد من رؤوس الديكتاتوريات العربية.
والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، ويتطور هذا الدور شيئا فشيئا، لتصبح شبكات التواصل الاجتماعي ساحة أساسية، إن لم نقل الساحة الأساسية للحوار والصراع السياسي الدائر بين القوى التي أفرزها الربيع العربي، ومن الطريف أن نرصد كيف يتعامل كل من هذه الأطراف مع الشبكة، والدور الذي تحتله في إستراتيجيته الإعلامية والسياسية، وسأتحدث، بطبيعة الحال عن المثال الذي أعرفه، المثال المصري .
كان من اللافت للنظر، أن محمد البرادعي الذي كان أحد المرشحين المعلنين للانتخابات الرئاسية، وعندما قرر عدم ترشيح نفسه، لم يعقد مؤتمرا صحفيا أو يستدعي قناة تلفزيونية للإدلاء بتصريحات، وإنما أصدر بيانا، والأهم من ذلك قام ببث فيديو قصير على موقع "يوتيوب"، يشرح فيه موقفه، مع الإشارة إلى أنه ومنذ بداية تحركه السياسي، أي قبل سقوط حسني مبارك، كان أكثر السياسيين العرب استخداما لشبكة "تويتر" لنشر مواقفه والحوار مع أنصاره وخصومه، واللافت أيضا، أن رد الفعل الأسرع، كان أيضا على "فيس بوك"، من خلال إنشاء عشرات الصفحات التي تدعوه للعودة عن قراره، ومن خلال التعليقات المختلفة، الحزينة من أنصاره، والسعيدة من قبل خصومه.
لم يستطع الجيش، المؤسسة التقليدية في كافة مجتمعات العالم، إغفال الفيس بوك الذي لعب دورا محوريا في إسقاط مبارك، فأنشأ المجلس العسكري الذي يدير أمور البلاد صفحة رسمية له على شبكة التواصل الاجتماعي، إلا أن المهمة الرئيسية لهذه الصفحة تقتصر على نشر البيانات الرسمية للمجلس، أي أنهم استخدموا أداة التواصل والحوار الاستثنائية هذه، كما لو كانت صحيفة مطبوعة، أو إذاعة أو قناة تلفزيونية تقليدية، للنشر فقط لا غير، وبالتالي لا نستطيع القول أن المجلس العسكري تفاعل مع عالم الشبكة بالأسلوب الخاص بها، أي أنه لم يقرأ دليل الاستخدام، إن صح التعبير، بصورة جيدة، واعتقد أن صفحته على "الفيس بوك" هي مرادفا لعملية طبع بيان أو صحيفة، والأمر ليس مجرد ملاحظة ثانوية، وإنما هو مؤشر هام على شكل ومدى تفاعل هذه المؤسسة مع ما يحدث في البلاد ومع التغييرات الجذرية التي طرأت على الحوار المجتمعي والسياسي.
"الإخوان المسلمون" إحدى القوى التي استخدمت الشبكة بصورة متنوعة وموجهة للغاية ... متنوعة، ربما في إطار الاختلاف البارز بين ثلاثة توجهات، القيادة التقليدية، التيار الإصلاحي وشباب الإخوان، وبصورة موجهة ... بمعنى أن حديث الإخوان على الشبكة وفي صفحات "الفيس بوك" يختلف عنه في الفضائيات أو الصحف التقليدية، ويختلف عن خطاب ثالث في المؤتمرات الجماهيرية والانتخابية، حيث يردد بعض الخطباء أمام جماهيرهم تعبيرات مثل فرض الجزية على الأقباط، وتطبيق الشريعة، ثم يسارع قادة الجماعة لتخفيفها في الصحف والفضائيات.
أما على صفحات "الفيس بوك"، فيبدو أن "الإخوان المسلمين" قد استفادوا من تجربة اللجنة الإلكترونية للحزب الوطني، فما أن تنشر إحدى الصفحات أبسط أنواع النقد لمواقف الإخوان حتى تنهال عليها الردود المتشابهة، لا تناقش، تهاجم الآخر، وتوجه له مختلف الاتهامات.
الليبراليون من جانبهم، وإن كانوا الأقرب إلى شباب الثورة و"الفيس بوك" إلا انه يبدو أنهم لم ينتبهوا بعد إلى الأمر بصورة جدية، واكتفوا بالفضائيات وصفحات الجرائد.
أما شباب الثورة، فقد أدركوا، ومنذ زمن طويل أبعاد هذه الأداة، ليس فقط للدعاية والتعبئة السياسية، وإنما أيضا كأداة تنظيم للحركة والحوار وتطوير الأفكار الجماعية، مما مكنهم، أثناء الثورة، من التواصل بصورة قوية مع طبقات شعبية لم تسمع بالإنترنت أو"الفيس بوك"، الشبكة بالنسبة لهؤلاء الشباب أصبحت "ميدان" عمل سياسي وجماهيري كامل، خصوصا بعد أن أثبتت قدرتها على المساهمة في إسقاط رؤوس النظام.
يبقى، الإعلام، وطبعا نتحدث عن الإعلام الخاص، ذلك إن الإعلام الرسمي ما زال خارج الزمان والأحداث، بعض الصحف الخاصة طورت علاقاتها بالشبكة، وحولت الجزء الخاص بتعليقات القراء في مواقعها الإلكترونية إلى شبكة "الفيس بوك"، إلا أن الطريف هو مواقع إخبارية اكتسبت سمعة كبيرة مثل موقع «اليوم السابع»، سارعت بعد ذلك لإصدار نسخة ورقية، يبدو أن الصحفيين في بلادنا، ما زالوا يعتقدون أن الميزة الرئيسية للإنترنت هي التكلفة الرخيصة، وأن اكتسابهم للمصداقية المهنية يستدعي الحبر والورق .
تجربة الربيع العربي وثورة الاتصالات هي تجربة أكثر ثراء وتنوعا مما نتصور، ومما يتصور من يعيشونها، ومعالمها ستبرز شيئا فشيئا مع الأيام، وسنكون حاضرين لمتابعتها.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك