الجزائر

الصحفي الجزائري فضيل بومالة : "الجزائريون يسعون إلى أكثر من "ربيع" لكن بعيداً عن الحرب الأهلية والعنف"

المحلل السياسي الجزائري فضيل بو مالة تحدث عن مسيرة الجزائر بعد خمسين عاما من استقلالها. هذه المسيرة التي تخللتها مراحل مختلفة وكثيرة أكان في السياسة أو الاقتصاد أو في مجال التنمية.

إعلان
 
خمسون عاماً مرت على استقلال الجزائر، كيف تقيمون مسيرتها خلال هذه الفترة الطويلة التي تخللتها مراحل كثيرة ومختلفة ؟
 
من الناحية السياسية، خرجت الجزائر من الأحادية الحزبية لكنها لم تدخل بعدُ التعددية السياسية. خرجت من عسكرة النظام السياسي، لكنها لم تدخل بعد في مدنيّة النظام السياسي.
 
من الناحية الاقتصادية، عاشت الجزائر الاشتراكية ولم تعرف بعد الرأسمالية، وما زال الاقتصاد الجزائري يتوقف على الريع النفطي ومداخيل المحروقات.
 
من الناحية السكّانية، هناك تطور هائل وتزايد كبير في عدد السكان، لكن للأسف الشديد إن القدرات البشرية في الجزائر غير مستغلة للغاية، نظراً لأن النظام السياسي ما زالت ثقافته تنتمي إلى جيل " الحركة الوطنية"  و" الثورة التحريرية"، أي أن جيل الاستقلال الحقيقي خمسين سنة بعد ذلك، لم يُستغل بعد كما يجب.
 
تطورت الجزائر من حيث الكم، لكن من حيث النوع والتحرر لم تستطع بعد أن تحقق النتائج المرجوة.
 
هل حققتم الديمقراطية التي كنتم تنشدونها عندما طالبتم بالاستقلال ؟
 
الديمقراطية لا تعني بالضرورة الاستقلال، لأن البلدان العربية والإفريقية والدول التي حققت الاستقلال الوطني في مراحل الخمسينات والستينات، عاشت أنظمة الحزب الواحد وأنظمة العسكرة والاستبداد.
 
كذلك الأمر بالنسبة للجزائر، غداة الاستقلال استحوذت نخبة عسكرية على البلاد وصادرت الاستقلال، ولم تحقق حلم " الثورة التحررية " في بيان أول نوفمبر/ تشرين الثاني الشهير الذي يقول ببناء دولة ديمقراطية واجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية.
 
وهذا يعني أن الاستقلال صودر، مع الأسف، في الجزائر، وتسلمت مقاليد الحكم فيه نخبة عسكرية أحادية لم تحقق حلم الشهداء الكبار ولا حلم الجزائريين في مرحلة "الحركة الوطنية" و" الثورة التحريرية ".
 
هل الحكم اليوم في الجزائر مدني كما يؤكد ذلك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ؟
 
منذ مجيء عبد العزيز بوتفليقة بدت الواجهة مدنيّة، أما تقاسم السلطة هو بين الرئيس بوتفليقة الذي يعتبر نفسه من جيل " حركة الثورة الوطنية والتحررية "، ويعتبر نفسه أيضاً عسكرياً يمثل المؤسسة العسكرية التقليدية والمؤسسة الأمنية الاستخباراتية تحديداً.
 
في الجزائر هناك ثقافة عسكرية أمنية ما زالت مسيطرة إلى أبعد الحدود على مقاليد الدولة والمجتمع، ولا يمكن أن ننطلق في بناء دولة مدنية إلا إذا تجاوزنا مرحلة العسكرة والجيل التقليدي وجيل " الثورة التحريرية "، لننتقل إلى جيل الاستقلال بديمقراطية حقيقية ومؤسسات مدنية حقيقية أساسها دولة القانون وحقوق الإنسان.
 
من المعروف أن الجزائر دولة غنية، فأين تذهب عائدات النفط والغاز، وهل تستخدم فعلاً في مجالات التنمية لخلق فرص عمل خاصة لخريجي الجامعات؟
 
صحيح أن الجزائر تبدو في ظاهرها دولة غنية، لكنها تحوي شعباً فقيراً لأنها تصدّر الثروة وتستورد الفقر. من جهة ثانية، المسألة لا تقاس بمدى غنى أو فقر هذه البلاد أو تلك، إنما في نوع الحكم فيها إذا كان راشداً أم لا.
 
موارد الجزائر من النفط والغاز كبيرة جداً، لكن ليس فيها رقابة ولا مؤسسات في البلد بالمفهوم الديمقراطي، معنى ذلك أنه ليس من حقنا كشعب المساءلة أو المراقبة، ولا نعرف كيف تصرف الأموال بشكل أو بآخر.
 
تلك هي المأساة، وللأسف الشديد إن النظام السياسي من أجل بقائه، بدل أن يفتح الباب للكفاءات والمبادرات الاقتصادية، فهو يقوم بعملية " دمقرطة " الفساد والرشوة، أي أنه يعمد إلى توزيع الريع النفطي بالطرق التي يراها هو من خلال قنوات الفساد والإفساد.  
 
هذه هي المعادلة الحساسة التي تعرفها الجزائر منذ الاستقلال، فالمسألة مسألة خيار مجتمع حيث لا زالت الرؤية القديمة المبنية على الثقافة الأحادية والعسكرية والفساد هي المسيطرة.
 
لماذا لم يطرق الربيع العربي باب الجزائر ؟
 
الربيع العربي موجود في الجزائر وقد عاشه الجزائريون عدة مرات، لكن هل يستطيع ذلك التحول الداخلي أن يتم بطريقة سلمية دون الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر ودون أحداث أكتوبر/ تشرين الأول الدامية، ودون كل أشكال العنف التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال ؟
 
والسؤال هو هل يمكن إجراء تغيير حقيقي في إطار من السلم والقانون والشرعية في ظل نظام لا يقبل بأي تغيير جذري إلا بوسائل العنف، لأن هذا النظام نشأ على العنف ؟
 
التجربة الجزائرية تختلف بعض الشيء عن التجارب العربية الأخرى، لكنها متقدمة عنها بفشلٍ كبير من حيث إنجاز " ربيعها العربي" المؤسساتي. " الربيع الجزائري" أتى في مرحلة سابقة في جو من العنف والحرب الأهلية، وهذا ما لا يريده حالياً المجتمع الجزائري.
 
الجزائريون يسعون إلى أكثر من " ربيعي"، لكن بعيداً عن الحرب الأهلية التي عرفوها في السابق، وبعيداً عن العنف وعن تحطيم الأسس البسيطة التي بنيت عليها الدولة الجزائرية خمسين عاماً بعد الاستقلال.  

 

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق مونت كارلو الدولية