"سيريزا" يهز أوروبا قبل اليونان
لم يمض بعد على إعلان "تحالف أحزاب اليسار الراديكالي" (سيريزا)، التي تعني "العودة إلى الجذور"، عشرة أعوام، ولم يكمل التحالف بصيغته الجديدة كحزب العام الواحد، ورغم ذلك استطاع "سيريزا" تصدر المشهد السياسي في البلاد ولفت أنظار الأوروبيين إليه.
نشرت في: آخر تحديث:
الحزب منذ أن كان تحالفا، وقبل أن يعلن عن نفسه كحزب واحد، استطاع أن يحقق شعبية كبيرة، وتمكن شيئا فشيئا من توسيع هذه الشعبية ليتحول إلى المنافس الأقوى للحزبين الأكبر في البلاد، حزب "الديمقراطية الجديدة" الحاكم حاليا في اليونان، وحزب "باسوك" الاشتراكي، خصوصا بعد غرق البلاد في أزمة مالية طاحنة مهددة إياها بالانهيار المالي، ولم تستطع اليونان الخروج من أزمتها المالية هذه رغم سياسية التقشف التي أعلنتها الحكومة الحالية بقيادة انتونيس ساماراس وبرنامج الإنقاذ الذي أطلقه الإتحاد الأوروبي لإنقاذ اليونان من أزمته. ولا يتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يخرج اليونان من أزمته المالية قريبا، حتى مع موافقة البنك المركزي الأوروبي على إطلاق برنامج "التيسير الكمي"، يطبع بموجبه نقودا لشراء سندات سيادية بنحو 60 مليار يورو، يشمل دولا تنفذ برامج إنقاذ مثل اليونان مما يدعم البقاء في منطقة العملة الموحدة.
يبدو أن تدهور الأوضاع ماليا وانعكاس هذا التدهور على القطاعات المختلفة التي تمس المواطن اليوناني، أبعد اليونانيين عن سياسيات الأحزاب التقليدية خصوصا الحزب الحاكم حاليا واليمين اليوناني عموما، فقد دفعت السياسيات المالية التي فرضتها الترويكا الأوروبية اليونانيين إلى التفكير بتجربة نهج معاكس بل وراديكالي.
ويشير الخبراء إلى أن فوز حزب يساري راديكالي بالانتخابات التشريعية في اليونان سيكون سابقة تاريخية، وهو ما يتوقعه الجميع، بما فيهم حزب "الديمقراطية الجديدة" العريق، والمنافس الرئيسي الذي شكل أول حكومة يونانية بعد سقوط "المجلس العسكري اليوناني" عام 1974، حيث بدا الخطاب الأخير لرئيسه في حملته الانتخابية، رئيس الوزراء الحالي انتونيس ساماراس أشبه بـ "خطاب وداع" حسب صحف يونانية.
ويعزو المختصين تفوق حزب "سيريزا" على الحزب الحاكم "الديمقراطية الجديدة" المحافظ
في آخر خمسة استطلاعات نشرت نتائجها الجمعة. وأشارت إلى تقدم سيريزا بنسب تتراوح بين 2.9 نقطة و6.7 نقطة، إلى تململ اليونانيين من الضائقة الاقتصادية التي ألمت بالبلاد وامتدادها رغم المساعدات وبرنامج الإنقاذ الذي أقره الاتحاد الأوروبي، فارضا في نفس الوقت سياسيات مالية متقشفة قاسية على مدار السنوات الأربع الماضية. وبالتالي يرجح الكثير من المراقبين أن تحمل الانتخابات ألكسيس تسيبراس، النائب الأوروبي البالغ من العمر 40 عاما والذي يرفض صراحة سياسية التقشف إلى حكم البلاد.
ورغم أن تسيبراس أعلن احترامه للمؤسسات الأوروبية، إلا أنه لا يعتبر نفسه ملزما بالشروط التي وضعتها ترويكا الدائنين التي تمثل الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، فقد أعلن حزبه مرارا أنه سيوقف سياسية التقشف التي فرضت على اليونان في الأربع سنوات الماضية مقابل قروض بقيمة 240 مليار دولار.
وقال تسيبراس في خطابه الأخير قبل الصمت الانتخابي المفروض على المرشحين للانتخابات التشريعية، إنه يقود المعركة "من أجل كل شعوب أوروبا" ومن أجل "وضع حد للتقشف" وتفادي "نهاية الديمقراطية". وأضاف "لهذا السبب تتجه أنظار كل أوروبا إلى اليونان وتنتظر جميع شعوب أوروبا 25 كانون الثاني/يناير".
وبالفعل تتجه أنظار أوروبا إلى اليونان، من جهة، لأن فوز حزب يساري راديكالي يعتبر سابقة تاريخية في باليونان، وربما في أوروبا بأسرها، ومن جهة أخرى، لأن نتائج الانتخابات التشريعية ستحدد مستقبل اليونان وعلاقته بالاتحاد الأوروبي، فلو تمكن حزب "سيريزا" من المضي قدما في وعوده الانتخابية، فهذا قد يعني نزع الطوبة الأولى من صرح الاتحاد الأوروبي. كما سيحيي فوز الحزب آمال الأحزاب الراديكالية الأخرى في أوربا إن كان يمينا أو يسارا وسيمنحها قوة معنوية كبيرة، وسيغير طريقة نظر الناخبين في الكثير من دول أوروبا لهذه الأحزاب وأفكارها الراديكالية.
كما يجب الإشارة إلى أن الأحزاب المسيحية في أوروبا ستأخذ بعين الاعتبار خسارة حزب "الديمقراطية الجديدة" اليوناني الحاكم وهو من نفس عائلة الأحزاب المسيحية الأوروبية كحزب أنجيلا ميركل في ألمانيا و"الحزب الشعبي" في إسبانيا التي تمر بأزمة مالية، هي الأخرى، وستجد في فوز حزب "سيريزا" ناقوسا للخطر يشير إلى ضرورة الانتباه إلى القيادات الحزبية التي برزت في تحركات شعبية وخطرها عليها.
وحسب البرنامج الانتخابي لحزب "سيريزا" فإنه ينوي إعادة التفاوض حول أكثر من 300 مليار يورو من الديون التي تمثل 175% من إجمالي الناتج الداخلي لليونان، حيث أعلن الحزب أنه سيطالب الاتحاد الأوروبي بشطب ديون اليونان أسوة بما حدث مع ألمانيا في عام 1953 عندما شطبت ديونها بعد أن كانت قد تمت إعادة جدولتها ثلاث مرات بين عامي 1924 و 1953 وصولا إلى شطبها نهائيا. كما أطلق الحزب وعودا انتخابية بـ "استعادة تدريجية للرواتب والمعاشات التقاعدية لزيادة الاستهلاك والطلب".
وأيضا، "الاستثمار في المعرفة، والبحوث، والتكنولوجيا الجديدة" للحد من هجرة العقول خارج البلاد، كما وعد الحزب بعدالة ضريبية أفضل، حيث قال الكسيس تسيبراس زعيم الحزب إنه سيلغى الضريبة العقارية التي وضعتها الحكومة قبل عدة أعوام. كما أكد الحزب على أنه سيعمل على "توفير ما لا يقل عن 4 مليار يورو" من الاستثمارات العامة. وسيعمل ـ حسب وعوده ـ على توفير أكثر من 300 ألف فرصة عمل بمجرد توليه الحكم، وتخفيض الضرائب العادية ومساعدة الأسر والعاطلين.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك