أزمة ديون اليونان

فشل اليونان أم فشل أوروبا التقشف

انتزع ألكسي تسيبراس تصويت البرلمان اليوناني على المقترحات التي قدمها للاتحاد الأوروبي حيث صوت لصالحها 251 نائبا من أصل 300 نائب، ولكن الصورة الحقيقية أكثر تعقيدا بكثير من هذه النسبة البسيطة.

نواب في البرلمان اليوناني يرفعون لافتة "لا" أثناء التصويت على اقتراحات حكومة تسيبيراس المقدمة للدائنين
إعلان

سبعة عشر نائبا من حزب "سيريزا"، حزب رئيس الحكومة تسيبراس لم يصوتوا لصالح الخطة التي قدمها إلى بروكسل، حيث صوت اثنان ضدها، وامتنع ثمانية عن التصويت، وغاب سبعة نواب عن عملية التصويت بما فيهم وزير المالية المستقيل يانيس فاروفاكيس، وتذهب الأمور إلى أبعد من ذلك مع تصريح وزير الطاقة والإنعاش الإنتاجي بانايوتيس لافازاني الذي قال "لا أستطيع أن أدعم خطة جديدة لإجراءات الليبرالية الجديدة والخصخصة والتي ستؤدي لتفاقم الركود"، مما يعني أن رئيس الحكومة سيكون مجبرا فور عودته من بروكسل بعد المفاوضات على القيام بتعديل وزاري قد يتفاوت من حيث الحجم، بل ويتحدث البعض عن تعديلات سياسية على مدى أوسع تمس القوى المشكلة لحزب "سيريزا"، ويمكن أن تؤدي لخلق تحالفات جديدة داخل البرلمان.

يروج الأوروبيون لمقولة استسلام اليونان لمطالب بروكسل، ويؤكدون أن مقترحات تسيبراس قريبة للغاية للمطالب الأوروبية، وهي مقولات ليست عارية من الصحة، ذلك إن أثينا تمسكت ببعض شروطها البسيطة بشأن ضريبة المبيعات على المنتجات الأساسية والاستمرار في دعم المناطق والجزر الأكثر فقرا ورواتب التقاعد المنخفضة، ولكن تسيبراس وافق في خطته على المحاور الأساسية لما يطلبه الدائنون، وحدد مطالبه الأساسية في إعادة جدولة الدين اليوناني وإطلاق خطة الاستثمار الأوربية في اليونان، وغداة تصويت البرلمان لصالح خطة تسيبراس أكد مصدر حكومي يوناني أنه لا ينبغي أن يبيع الأوربيون جلد الدب قبل قتله، فالنتيجة النهائية تعتمد على ما ستحصل عليه أثينا مقابل هذه الخطة.

وإذا كان رئيس الحكومة اليونانية قد رفض، دوما، طرح احتمال خروج بلاده من نظام اليورو قائلا "إن انتصارنا في الانتخابات لا يعني أن اليونانيين منحونا تفويضا للخروج من منطقة اليورو" فإن الكثيرين من رفاقه وحلفائه يرون أن الوضع قد اختلف اليوم بعد نتيجة الاستفتاء على مطالب الدائنين التقشفية والتي رفضها اليونانيون بنسبة 62٪، مما يعني، بالنسبة لهم، أن رجل الشارع اليوناني إذا وضع أمام الخيار بين خطة تقشف أكثر قسوة والخروج من منطقة اليورو فإنه يفضل الخيار الثاني، والمظاهرات التي خرجت في أثينا يوم الجمعة وشارك فيها أعضاء من حزب "سيريزا" اتهمت تسيبراس بالخيانة وردد البعض مقولة "إن لا تعني لا"، الأمر يكشف أن من صوتوا بـ"لا" للسياسة التقشفية بناء على دعوة رئيس الحكومة لن يفهموا معنى أن يطبق "نعم" وسيكون من الصعب عليه اللجوء إليهم في أزمات مقبلة، كما أن امتناع نواب ووزراء من حزبه عن دعم مقترحاته يوحي بأنه خسر الجناح اليساري من "سيريزا" وهو يشكل 40٪ من العضوية، كل ذلك يضع تسيبراس تحت رحمة قوى سياسية يونانية أخرى لكي يتمكن من الحكم، كما يضعه تحت رحمة الأوربيين الذين لا يريدون لتجربته أن تنجح وتتكرر في أوروبا. وقد بدأ الأوربيون بالفعل، وعشية المفاوضات بالحديث عن صعوبة التوصل إلى اتفاق، وعن انعدام ثقتهم في مصداقية اليونان لتنفيذ الخطة، بل وذهب رئيس مجموعة اليورو للقول بأن هذه الخطة غير كافية، بالرغم من دفاعه عنها كخطة الدائنين قبل أيام.

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وبالرغم من تصريحاتها المتشددة، فإنها تواجه خيارا صعبا بين أن تكون المسئولة، تاريخيا، عن خروج اليونان من منطقة اليورو، مما قد يؤدي، على المدى المتوسط، لانهيار نظام العملة الأوروبية الموحدة، وبين أن تقبل بالتفاوض والاتفاق لتواجه، بعد ذلك، سلسلة من البلدان الأوروبية الأخرى مثل البرتغال، اسبانيا، ايطاليا وربما فرنسا التي تطالبها بمعاملة مماثلة لليونان.
إلا أن المأزق الرئيسي، يكمن اليوم، بعد خمس سنوات من التقشف، وبعد أسابيع من أزمة متفجرة، استخدم خلالها البنك المركزي الأوروبي كافة أسلحته الثقيلة ضد أثينا، في أن الاقتصاد اليوناني أصبح في وضع مختلف تماما عما كان عليه قبل أسابيع، ويشير بعض الاقتصاديين إلى أن خطة الدائنين التي عدلها تسيبراس بعض الشيء تجاوزتها الأوضاع، ولم تعد صالحة لمواجهة الموقف، وأنه سيكون على أطراف الأزمة العودة في القريب العاجل لبحث خطة أو خطط جديدة، بحيث يتحول الوضع إلى حلقة جهنمية من سياسات التقشف متزايدة القسوة، منبهين إلى أن تحول اليورو إلى رديف للتقشف في نظر اليونانيين، فإن خروجهم من منطقة اليورو قد يصبح الخيار الأفضل في أنظارهم.
 

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق مونت كارلو الدولية