سوريا

سوريا: "القبعات البيضاء" أبطال حقيقيون من الواقع يلاحقون البراميل المتفجرة

أرشيف / فيسبوك

هم خبازون، وأطباء، ونجارون وطلاب سوريون اختاروا التطوع في صفوف الدفاع المدني، مخصصين وقتهم لتعقب الغارات والبراميل المتفجرة بهدف إنقاذ الضحايا، وأطلقوا على أنفسهم اسم "الخوذ البيضاء".

إعلان

تم ترشيحهم لجائزة نوبل للسلام، لكنهم لم يفوزوا. غيرأن عناصر الدفاع المدني البالغ عددهم نحو ثلاثة آلاف متطوع والناشطين في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في سوريا، حصلوا على إشادة عالمية بتضحياتهم بعدما تصدرت صورهم وسائل الإعلام حول العالم وهم يبحثون عن عالقين تحت أنقاض الأبنية أو يحملون أطفالا مخضبين بالدماء إلى المشافي.

بعد إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل للسلام الجمعة 7 تشرين الأول ـ أكتوبر 2016، سارع الدفاع المدني الناشط في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية أو "الخوذ البيضاء" إلى تهنئة الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس.

وقال رئيس المنظمة رائد الصالح إن أفضل جائزة يحصل عليها متطوعو المنظمة تكون عند "إنقاذ حياة إنسان"، مضيفا "هذا الإنجاز يغنينا عن كل الجوائز الأخرى".

وتابع "إننا سعيدون بأن ثمة بلد آخر انتهت فيه الحرب"، وهذا "يمنحنا أملا بأن يكون دورنا في المستقبل لتنتهي الحرب".

في كل مرة تحول غارة تنفذها قوات النظام أو حليفته روسيا مبنى من طوابق عدة إلى ركام، يهرع عناصر الدفاع المدني الى الموقع المستهدف. يتسلقون الركام أو يبحثون بأيديهم وما توفر لهم من معدات تحت الأنقاض عن ناجين محتملين أو جثث ضحايا.

بين المشاهد التي تم تداولها في تموز ـ يوليو 2014، تلك التي يظهر فيها خالد المتطوع في الدفاع المدني وهو يعمل بيديه على إزالة الركام عن الرضيع محمود البالغ من العمر شهرين من مبنى دمرته غارة جوية في مدينة حلب بعد 12 ساعة من العمل المضني، قبل أن يحمله والدموع تغطي وجنتيه.

بعد عامين على تداول صورته، قتل خالد في غارة على شرق حلب في آب ـ أغسطس الماضي، لينضم إلى 142 متطوعا قضوا في سوريا منذ اندلاع النزاع. وترك خلفه زوجة وطفلتين.

وكان خالد ذو البنية القوية من أوائل المتطوعين الذين انضموا إلى صفوف الدفاع المدني بعدما كان يعمل في طلاء المنازل والديكور، وفق الموقع الالكتروني للدفاع المدني الذي ينقل عنه قوله في مقابلة باللغة الانكليزية "إذا مت وأنا أنقذ الارواح، فأعتقد ان الله سيعتبرني حتما شهيدا".

"شجاعة استثنائية"

ومنذ أيام، انتشرت مقاطع فيديو تظهر متطوعا آخر في الدفاع المدني وهو يحمل الطفلة وحيدة معتوق وعمرها أربعة أشهر ويبكي داخل سيارة إسعاف بعد انقاذها من تحت انقاض مبنى استهدفته غارة في مدينة إدلب .

ويقول المتطوع وهو يضم الطفلة التي أصيبت بجروح في جبينها "عملنا ساعتين لإنقاذها، وبإذن الله ستبقى حية".

ومنحت المنظمة السويدية الخاصة "رايت لايفليهود" الشهر الماضي جائزتها السنوية لحقوق الإنسان والتي تعد بمثابة "نوبل بديلة" إلى متطوعي "الخوذ البيضاء"، مشيدة "بشجاعتهم الاستثنائية وتعاطفهم والتزامهم الإنساني لإنقاذ المدنيين من الدمار الذي تسببه الحرب الأهلية".

وحصدت المنظمة دعما من عدد كبير من المشاهير بعد التداول باسمها لنيل جائزة نوبل للسلام، كما أنها محور فيلم وثائقي قصير على خدمة "نتفليكس" للأفلام وأشرطة الفيديو على الانترنت.

بدأت المنظمة العمل في العام 2013 بعد تصاعد حدة النزاع الدامي الذي بدأ بحركة احتجاج سلمية في آذار ـ مارس 2011 قمعها النظام بالقوة. وتسبب النزاع بمقتل أكثر من 300 ألف شخص وبنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

منذ 2014، بات متطوعو المنظمة يعرفون باسم "الخوذ البيضاء" نسبة إلى الخوذ التي يضعونها على رؤوسهم. في العام 2016، انضمت 78 متطوعة بعد تلقيهن تدريبات في الرعاية الطبية وعمليات البحث والانقاذ الخفيفة، إلى الدفاع المدني السوري.

على موقعها الالكتروني، تقول المنظمة إن شعار متطوعيها هو "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" المقتبسة من السورة القرآنية "منْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا". وتشدد في الوقت ذاته على أن متطوعيها يخاطرون بحياتهم "لمساعدة أي شخص بحاجة للمساعدة بغض النظر عن انتمائه الديني أو السياسي".

وتلقى عدد من المتطوعين تدريبات في الخارج، قبل أن يعودوا إلى سوريا لتدريب زملائهم على تقنيات البحث والإنقاذ.

وتتلقى المنظمة تمويلا من عدد من الحكومات بينها بريطانيا وهولندا والدنمارك وألمانيا واليابان والولايات المتحدة، كما تصلها تبرعات فردية لشراء المعدات والتجهيزات وبينها الخوذ البيضاء التي تبلغ كلفة كل واحدة منها 144,64 دولارا.

"ابطال حقيقيون"

بعد أكثر من خمس سنوات على اندلاع النزاع السوري، بات للمجموعة 120 مركزا تتوزع على ثماني محافظات سورية، وتحديدا في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة والمقاتلة.

وشدد مدير الدفاع المدني رائد الصالح في حوار مع وكالة فرانس برس في واشنطن في 28 أيلول ـ سبتمبر على حيادية المنظمة. وقال "نحن مستقلون، حياديون وغير منحازين. لسنا مرتبطين بأي جهة سياسية أو مجموعة مسلحة".

لكن في بلد يشهد انقسامات حادة وحربا مدمرة، تتعرض المنظمة لانتقادات خصوصا من الموالين للرئيس السوري بشار الأسد. ويتهمها البعض بأنها أداة في أيدي المانحين الدوليين والحكومات الداعمة للمعارضة السورية. ويذهب آخرون إلى القول إن مقاتلين وحتى جهاديين ينضوون في صفوفها.

لكن كثيرين ينظرون إلى متطوعي الدفاع المدني على أنهم "أبطال حقيقيون" من الواقع، هاجسهم الأول والأخير إنقاذ الضحايا.

ويقول صالح "نحن في خدمة الضحايا ومن مسؤوليتنا وواجبنا العمل من أجل الضحايا".

 

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق مونت كارلو الدولية