مرشحات محجبات وأحزاب إسلامية في الانتخابات التشريعية الفرنسية
على وقع تسليم السلطة إلى الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون وفي ظل تغييرات كبرى تعرفها الخريطة السياسية الفرنسية، تشهد الانتخابات التشريعية المقررة في حزيران/يونيو القادم منافسة حامية بين الأحزاب السياسية على مقاعد البرلمان البالغ عددها 577 مقعداً.
نشرت في: آخر تحديث:
وبعد السقوط الكبير الذي شهده الحزبان الرئيسيان في البلاد والصعود التاريخي لحزبين من أقصى اليمين وأقصى اليسار، تبدو الساحة السياسية في حالة تخبط قد تسمح لأحزاب إسلام سياسي ناشئة في إيجاد موطئ قدم لها. وتعمل هذه الأحزاب على إقناع الناخب الفرنسي ذي الديانة الإسلامية مستفيدة من القوانين الديمقراطية ومن مناخ عالمي ضاغط باتجاه "التعددية الثقافية" واحترام الهويات الخاصة وتحديداً في بلد كفرنسا ذي تقاليد علمانية راسخة لا تبدي فيه الدولة كبير تسامح مع التعبير العمومي عن الدين الفردي أو خلط السياسي بالديني.
وبعد أن كان المدافعون عن تجميع الفرنسيين المسلمين وتعريفهم بدينهم أولاً يحصرون نشاطاتهم العامة في تكوين الجمعيات "المدنية" والمنظمات أو المراكز "الثقافية" أو المناهضة لما يسمونه "الإسلاموفوبيا"، فقد بدأوا أكثر فأكثر يعمدون في سبيل ترقية تحركهم إلى إنشاء أحزاب سياسية تشارك في الانتخابات و"تمثّل المسلمين". ومن بين هذه الأحزاب يبرز خاصة حزب "فرنسيون ومسلمون" وحزب "المساواة والعدالة" اللذان يقدمان عدة مرشحات محجبات في انتخابات 2017 التشريعية ويدعوان إلى إدراج تعديلات على قانون العلمانية وإفراد المسلمين بتمييزات خاصة في التشريعات.
تطالعنا في ضاحية إيفلين الباريسية صور للمرشحة هيولا ساهين (44 عاماً) عن حزب "المساواة والعدالة"؛ صور كبيرة للسيدة المحجبة وبجانبها شعار حملتها "معاً من أجل المستقبل". ورغم معرفتها أن الحجاب هو أمر مثير للجدل في فرنسا، فقد قالت ساهين أنها لا تريد "أن يتذكر الناس هذا التفصيل في ترشيحها" مضيفة "حجابي هو أنا وهو أمر لا يخص أحداً... أنا لست امرأة خاضعة. أنا فرنسية وفخورة بذلك". ولم تفوت ساهين فرصة الغمز من قناة الحركة النسوية حين استنكرت الحديث عن حجابها في وقت لا يتدخل أحد في "لون قمصان السياسيين من الرجال" كما لو كانت القضية تتعلق بحرية النساء وبالمجتمع الذكوري القمعي... الخ.
يتبنى هذا الحزب المؤسس مطلع 2015 عدة مقترحات في الانتخابات التشريعية، ويركّز خطابه خاصة على فشل السياسات المختلفة المتعلقة بالضواحي والتمييز الذي يواجه سكانها أحياناً. لكن يبقى لمسألة "الدفاع عن المسلمين" موقع مركزي في أدبيات هذا الحزب الذي دعا، بحسب مجلة "لاكسبريس"، إلى إلغاء حظر الحجاب في المدارس (والمقصود بطبيعة الحال هو قانون حظر الرموز الدينية) والتراجع عن قانون إقرار الزواج المثلي. ورغم اعتراف الحزب بـ"العلمانية كمبدأ مؤسس للجمهورية"، إلا أنه يسارع إلى توضيح أن هذا المبدأ "قد شهد تحولاً في الدلالة وبات يعني اليوم إجراءات قانونية لاستبعاد الأقليات الدينية وخاصة الإسلام والمسلمين". وبناء على هذا التشخيص، يقدّم الحزب على موقعه الالكتروني مقترحاً لوقف العمل مؤقتاً بقانون العلمانية ومن ثم تعديله بإدراج "الحق في ممارسة اجتماعية (للدين) والفضاء العمومي للأديان" و"المساواة بين مختلف الأديان".
لكن أكثر ما أثار الجدل حول هذا الحزب "الفرنسي" هو ارتباطاته المزعومة مع حزب الرئيس التركي الإسلامي المحافظ أردوغان. ومما يعزز هذا الاعتقاد هو أن الحزب يضم بين كوادره ونشطائه العديد من ذوي الأصول التركية أبرزهم مؤسسه شاكر كولاك والمرشحة هيولا ساهين. وكان الحزب الشيوعي الفرنسي في وقت سابق قد هاجم بعنف هذا الحزب ووصفه بـ"الممثل الرسمي لحزب العدالة والتنمية التركي" وطالب وزارة الداخلية بفتح تحقيق سريع ووضع حد لـ"مناورة ضد الديمقراطية" يحاول عبرها "الديكتاتور التركي أردوغان التأثير على الاتجاهات السياسية في بلدنا".
وإذا كان حزب "المساواة والعدالة" الفرنسي قد نحى منحى الأحزاب الإسلامية العربية واختار لنفسه اسماً ينوّع على تخريجة "العدالة والتنمية" التركي التي تخفي صفة الإسلامية وتعلن أولوية اقتصادية اجتماعية مفترضة (التنمية، العدالة، المساواة... الخ)، فإن الحزب الثاني "فرنسيون ومسلمون"، وكما يدل اسمه، أكثر صراحة في بناء وتمثيل "مطالب المسلمين" والتركيز بالتالي أولاً (وأخيراً؟) على قضايا الهوية. الحزب الذي أنشئ قبل عام يقدّم اليوم خمسة مرشحين إلى الانتخابات التشريعية 2017 ومنهم، كالعادة، واحد في ضاحية "سين سان دوني" الشعبية قرب باريس.
وبحسب خالد الماجد، الناطق الإعلامي باسمه، فإن برنامج الحزب يستند على نشر "أخلاق مسلمة تكون في وئام تام مع قيم الجمهورية". أما رئيس الحزب نزار بورشادة فيعتبر أن "المسلمين لا يملكون صوتاً ضمن الأحزاب التقليدية" ولذا فمهمة الحزب نقل صوت "المواطنين من ذوي الثقافة والدين الإسلاميين" رافضاً في الوقت نفسه صفة "الحزب الطائفي". وكما يفعل نظرائهم في حزب "المساواة والعدالة"، فإن ممثلي الحزب، بحسب صحيفة "لوباريزيان"، يدافعون في اللقاءات العامة عن قانون العلمانية والتحول البيئي والأخلاق المثالية... الخ، إلا أن برنامج الحزب في مجال "الحريات العامة" يكشف وجهاً... متوقعاً لحزب إسلاموي صريح. ولا تحتوي قائمة "الإصلاحات" التي يقترحها الحزب في مجال الحريات العامة سوى المنع أو تشديد التقييد أو التراجع عن حريات تم اكتسابها فعلاً. برنامج الحزب في باب الحريات هو تقييد الحريات!
ومن بين المطالب نقرأ مثلاً: إلغاء المواد 12 حتى 15 من قانون العلمانية الخاص بملكية الدولة لدور العبادة (المطلوب أن يمتلكها رجال الدين وأن تتحرر بالتالي من السيطرة العمومية) ؛ إدراج الأقليات الدينية في قانون العلمانية 1905 (وذلك بدل أن يطالب مثلاً بإدراج إشارة عامة عن الدين دون تحديد أي دين خصوصاً) ؛ منع المواد الإباحية والإيروتيكية من الإعلانات في المدارس... الخ (والذي يمكن قراءته كخطوة على طريق منع شامل للإباحيات وإحلال منظومة أخلاق تتفق مع نسخة متشددة من الإسلام) ؛ إلغاء القانون الخاص بمنع الحجاب في المدارس (مما سيسمح بتعزيز حضور الرموز الدينية في الفضاء العام وهي واحدة من "أكثر المهام قرباً إلى قلب الحركات الطائفية" حسب جيل كيبيل). حتى في ما يتعلق بالتصويت والاقتراع، فإن الحزب يرغب في جعله إجبارياً، الأمر الذي يتنافى مع تقليد فرنسي يدافع عن الحق في رفض العملية التصويتية برمتها والامتناع عن التصويت (يبدو أن الحزب يرغب في إجبار سكان الضواحي التي يعقد آماله على أن يصوتوا له بعد أن كانت نسبة عالية بينهم تمتنع عن التصويت). ويقترح الحزب كذلك إضافة يومي عطلة واحد للمسلمين وآخر لليهود أسوة بالمسيحيين (بدل أن يطالب بالمساواة بطريقة أخرى، أي عبر إلغاء الأعياد الدينية المسيحية مثلاً).
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك