اللوفر أبو ظبي... أول متحف عالمي في العالم العربي

إنه أول متحف عالمي في العالم العربي يعرض جنبا الى جنب أعمالا فنية تروي قصة عالمية تمتد من عصور ما قبل التاريخ حتى الوقت المعاصر وتمثل ثقافات وحضارات مختلفة. وبموجب هذا الاتفاق تمت إعارة اسم اللوفر في باريس للمتحف الاماراتي لمدة ثلاثين عاماً وستة أشهر.

يقع متحف اللوفر أبوظبي في المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات وهي جزيرة طبيعية مساحتها 27 كلم مربع والمتوقع لها أن تكون مركز إشعاع للثقافة العالمية وجذب سياحي، اذ سيتواجد فيها الى جانب متحف اللوفر كل من متحف الشيخ زايد الوطني من تصميم نورمان فوستر، ومتحف جوجنهايم أبوظبي من تصميم فرانك جيهري، وعدد من المؤسسات تشكل مجتمعة مركزاً ثقافياً يستقطب الزوار والسياح.

تحفة معمارية وتحديات تقنية

استوحى المهندس المعماري الفرنسي العالمي جان نوفيل تصميمه من فن العمارة العربية التقليدية لينسجم مع بيئة مشروعه الذي أعطاه طابع "المتحف ـ المدينة" حيث يمكن للزوار الاستمتاع بالمشي على طول المنتزهات والممرات المطّلة على البحر والتجول في مباني المتحف البيضاء اللون والمحاطة بالمياه من جميع الجوانب.

يخال للقادم من بعيد عند اجتياز الجسر الذي يصل مدينة أبوظبي بجزيرة السعديات أن القبة التي تعتلي المتحف تعوم على المياه إلا أنها ترتكز على أربعة أعمدة غير مرئية متوارية في ثنايا المتحف. ويبلغ قطر القبة 180 متراً وهي مؤلفة من 7850 قطعة معدنية على شكل نجوم. يتسلل النور من الطبقات الثمانية التي تتكون منها القبة التي بدت وكأنها مظلة ينهمر عبرها الضوء كالمطر مشكلا ما أسماه جان نوفيل "شعاع النور" وهو مستوحى من ظلال أشجار النخيل المتداخلة في واحات الإمارات.

والقبة ليست فقط نتيجة تصميم هندسي مدروس، بل هي تسهم في الحد من استهلاك الطاقة مما يتيح للزائر التنقل في أجواء متأقلمة ذاتيا بحيث أنه تم توفير الظل ذاتيا من المباني المجاورة، ودخول الضوء من خلال تخريمات القبة، واعتماد ألوان خفيفة باهتة ومواد عاكسة للضوء وغلاف عازل يقي المبنى من الحرارة الخارجية، بالإضافة الى تقنيات بيئية حديثة تساعد في تخفيض الامتصاص الحراري واستهلاك الطاقة والمياه.

تحف اللوفر أبوظبي ذات طابع عالمي

يعرض متحف اللوفر أبوظبي عند افتتاحه 235 عملا فنيا من مجموعته الخاصة التي بدأ باقتنائها منذ عام 2009 ويتم عرض نحو 300 قطعة فنية مُعارة من 13 مؤسسة ثقافية فرنسية رائدة. وتتضمن هذه الأعمال تحفا فنية تمثل حضارات مصر القديمة والامبراطورية الرومانية والسلالات الصينية القديمة ومملكة البينين في افريقيا كما تمثل حركات فنية من عصر النهضة الى الانطباعيين والحداثيين. وتستمر إعارة الأعمال من المتاحف الفرنسية الشريكة لمدة 10 أعوام وسيقل حجمها مع تنامي المجموعة الدائمة التي يقتنيها اللوفر أبوظبي.

كما يعرض اللوفر أبوظبي 28 تحفة فنيةً مُعارة من متاحف محلية وإقليمية تم توقيع شراكات معها مثل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة العربية السعودية والمتحف الوطني في سلطنة عُمان ودائرة الآثار العامة الأردنية ودائرة الآثار والمتاحف في رأس الخيمة.

وكون متحف اللوفر أبوظبي هو الأول في جزيرة السعديات الذي يفتح ابوابه للجمهور فستقوم المتاحف المجاورة بإعارته بعض المقتنيات مثل مخطوطات من مجموعة متحف زايد الوطني تحمل رموزاً ورسومات من مجموعة أعمال عثمانية، وقطع فنية معاصرة لفنانين بارزين من مجموعة جوجنهايم تعرض في قسم الأعمال المعاصرة في اللوفر أبوظبي.

وبمناسبة افتتاحه كشف اللوفر أبوظبي النقاب عن أول الأعمال التي كلف بها فنانَيْن عالميَيْن وهي أعمال مستمدة من روح المتحف وبيئته المعمارية. فقامت الفنانةالأمريكية جينيي هولزر بابتكار ثلاثة جدران تجسد الحوار العالمي من خلال ثلاثة نصوص: الأول عبارة عن مقتطفات من كتاب "المقدمة" لابن خلدون حول أسطورة الخلق، والثاني بالسومرية والأكادية مكتوبتين بالخط المسماري وقد اقتُبس من لوح طيني من بلاد الرافدين. والثالث يحمل نقشا لأحد نصوص الفيلسوف الفرنسي ميشال دو مونتين باللغة الفرنسية القديمة حول حرية الإرادة وتحديات الكتابة ومهام النقد والاحتفال الشعري.

أما الفنان الإيطالي جوسيبي بينوني فقد ابتكر عملا تركيبيا من ثلاث قطع تجسد الروابط بين الانسان والطبيعة والفن أهمها "أوراق النور" وهي عبارة عن شجرة من البرونز تم تثبيت مرايا على فروعها بشكل تتفاعل مع تصميم "شعاع النور" لجان نوفيل.

صالات العرض

يحتوي متحف اللوفر أبوظبي على 26 صالة عرض دائمة الى جانب فضاء مخصص للعروض المؤقتة ومتحف للأطفال واوديتوريوم يتسع لمائتي وخمسين كرسيا،ومساحة للتخزين وحفظ المجموعات الفنية، ومركز للبحوث ومقهى ومطعم ومتجر.

تبدأ الزيارة من القاعة الكبرى التي تمثل مفهوم المتحف بامتياز إذ تبرز أوجه التشابه بين الحضارات القديمة فيما يتعلق بأمور الحياة من تماثيل الأمومة من الكونغو ومصر وفرنسا، الى أقنعة الموت الذهبية من شمال الصين ولبنان وسوريا والبيرو، الى الأباريق المزخرفة من تركيا وجنوب الصين وإيطاليا والفؤوس الحجرية من فرنسا والجزائر والمملكة السعودية.

قصص عالمية للإنسانية جمعاء ترويها صالات العرض في اثني عشر فصلا تحمل عناوين لها مدلولات تاريخية: ظهور القرى الأولى التي تمثل الرغبة المشتركة في تلاحم الأفراد عن طريق المعتقدات والطقوس، ظهور القوى العظمى الأولى، الحضارات والامبراطوريات، الأديان العالمية، طرق التبادل الآسيوية، من المتوسط الى الأطلسي، علم أوصاف الكون، العالم من منظور جديد، في بلاط الأمراء، نمط معيشة جديد، عالم حديث؟، تحديات الحداثة، وأخيرا صالة بعنوان منبر عالمي، تجسد فيها أعمال الفنانين التساؤلات المطروحة في مسألة الهوية في عصر الاتصال وتحول كوكب الأرض الى قرية عالمية.

برامج الافتتاح

على مدار أربعة أيام من 11 الى 14 نوفمبر يقدم متحف اللوفر أبوظبي عروضا موسيقية من مختلف الثقافات واستعراضات راقصة الى جانب عرض ضوئي استثنائي. أما العروض الرئيسية فتبدأ في التاسعة مساء يوم السبت 11 نوفمبر بحفلة للفنان الفرنسي ماتيو شديد ومساء الأحد 12 نوفمبر سيكون حفل فطومتة دياوارا من المالي وهي فنانة موسيقية ومغنية صاحبة صوت رائع وممثلة. والاثنين 13 نوفمبر سيقدم ابراهيم معلوف آخر أعماله الموسيقية حول أم كلثوم وهو معروف من جمهور أبوظبي. ومساء الثلاثاء سيكون مخصصا للمغنية الكولومبية توتو لامومبوزينا التي حصلت على جوائز عديدة.

هذا الى جانب العروض الاستعراضية التراثية العالمية والعيالة لفرقة الفنون الشعبية مبارك العتيبة وهي عادة يتم تأديتها في المناسبات والأعياد.

وعود بعروض ذات قيمة فينة عالية وعالمية، وتحف فنية ذات مستوى راق ورفيع، وهندسة معمارية متميزة ومتماشية مع البيئة الطبيعية من رمل وبحر وشمس ونخيل. فبعد اجتياز السنوات العشر الأولى والتحديات الكبرى، على متحف اللوفر أبوظبي اليوم أن يتحدى استقطاب الزوار، محليين كانوا أم سياحا من مختلف أنحاء العالم، مع العلم أن الاحصائيات الأخيرة تشير الى ارتفاع عدد السياح ومرتادي الفنادق نسبة الى العام الماضي.