ليلة المتاريس: ذروة الانتفاضة الطلابيّة بطعم "كُومونة باريس"
نشرت في: آخر تحديث:
بعد يومين من التحضير والعمل الشاق لبناء متاريس الحي اللاتيني في وجه الشرطة، حصل ما توقعه الطلاب الثائرون في ليلة 10/11 أيار/مايو 1968. في تلك اللحظة، بلّغ التمرد الهائل التي تشهده البلاد منذ مطلع الشهر ذروته: أولاً، لجهة العنف الاستثنائي الذي ستمارسه قوات الأمن الجمهورية؛ وثانياً، لجهة راديكالية الشعارات وانخراط قطاعات المجتمع المختلفة في وجه السلطة الديغولية الجامدة.
يصح في ليلة الجمعة/السبت تلك وصف "الليلة النارية"، فقد كانت الكلمة التي تتردد على جميع الألسنة والشعار الخالد المستقى تماماً من تراث "كومونة باريس" (1871) يقول: "لِنُقِمْ المتاريس!"، و"المتاريس" في فرنسا مفهوم ثوري إلى حد بعيد.
بعد ظهر يوم الجمعة، انطلق طلاب الثانوية والجامعة في تظاهرة عبرت في شوارع باريس قبل أن تصطدم بالشرطة التي حاولت منعها من عبور نهر السين والوصول إلى حديقة "لوكسمبورغ" قرب شارع سان جرمان في قلب الحي اللاتيني. في الوقت ذاته، كان وفد طلابيّ يرأسه دانيل كوهن بنديت يفاوض عبثاً عميد جامعة السوربون للمطالبة بإعادة فتح الجامعة. لم تثمر المفاوضات عن أي نتيجة تذكر، وفي وقت متأخر من ذلك المساء، ستشهد العاصمة واحدة من أقوى لحظات الانتفاضة، مع اقتحام الشرطة الدامي للمتاريس الـ 60 التي أقامها المنتفضون.
لكن ما هي المتاريس على وجه التحديد؟
تقنياً، تعني المتاريس كل ما من شأنه إقفال الطرق والشوارع الرئيسية وإعاقة حركة عناصر الشرطة وآلياتهم فيها وتأمين حماية المتظاهرين خلف سواتر استخدم في بنائها كل ما وجده الطلاب بين أيديهم: أشجار ضخمة مقتلعة، حجارة الأرصفة، سيارات مقلوبة، إطارات مشتعلة، أكياس من الرمل... كل شيء في سبيل منع تنفيذ الشرطة للأوامر التي تلقتها وتقضي بـ"احتلال الحي أياً يكن ثمن ذلك". إضافة لذلك، فإن المتراس يعيّن حدوداً بين المناطق ويرسم خطوطاً عريضة بين الإيديولوجيات وأنظمة التفكير: "نحن هنا وهم هناك"، كما قد يقال.
مهد فشل المفاوضات مع رئيس الجامعة بعد الساعة الواحدة صباحاً الطريق لوقوع مصادمات عنيفة مع الشرطة التي داهمت على حين غرّة المتاريس وجعلت تقتحمها واحداً تلو الآخر في عملية كبيرة استغرقت عدة ساعات. الحصيلة: 367 جريحاً بينهم 4 طلاب و10 من الشرطة في حالة خطرة، و460 معتقلاً و188 سيارة محترقة.
عنونت صحيفة "لوموند" في عددها الصادر بعد يومين بالقول "ليلة دراماتيكية في الحي اللاتيني"، وهاجمت المماطلة والتسويف الحكوميين. صحيفة "فرانس سوار" تحدثت عن "ليلة مأساوية" و"خراب" بينما وصفت "باريس بريس" ما وقع بـ"الليلة الحزينة" حيث "رأينا أشياء لم نشهدها مطلقاً في باريس".
أما الصحف اليسارية الراديكالية، فتحدثت عن "العار" الذي تضمنته "ليلة من القمع الشرس" وصرخت "يسقط القمع" ودعت إلى استمرار التحركات. واستجابة لدعوة صحيفة "لومانيتيه" الشيوعية والنقابات، انتشرت التعبئة الاجتماعية في عالم العمل في يوم إضراب عام الاثنين 13 أيار/مايو يعتبر أكبر إضراب شهدته البلاد منذ أيام المقاومة ضد الاحتلال النازي.
لكن ليست كل صحف فرنسا "يسارية". فـ"لوباريزيان ليبيريه" جرّمت من جهتها المنتفضين ووصفتهم بـ"المحرضين ومثيري الشغب"، في وقت أثارت فيه عملية المداهمة القاسية مشاعر الباريسيين الذين ساعدوا المتمترسين وقدموا لهم الطعام والشراب خلال الليل.
"يُمنع المنع" أو «Il est interdit d'interdire!» بالفرنسية، كان أحد أبرز شعارات أيار/مايو 1968 الذي ظهر في ذلك اليوم مكتوباً على جدران المباني الباريسية وينادي به الطلاب المحاصرون وراء متاريسهم.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك