قل لي ما اسمك لأعرف المسلسل التلفزيوني الذي اشتُق منه
نشرت في:
لطالما كان العثور على اسم طفلك المستقبلي ممتعا وجاذبا للطاقة الإيجابية، لكن جميع المجالات والاحتمالات مفتوحة ومتعددة ويصعب معها العثور على اللؤلؤة النادرة المنشودة التي تختلف عن المتداول والتقليدي. فلم نعد في عصر إعطاء اسم الجد أو الجدة للطفل الأول، وما عادت تكفي الأسماء المستوحاة من الطبيعة أو المجموعات النجمية والكواكب. ونتيجة التصاق البشر بشاشات التلفاز والهواتف المحمولة، جعلهم يتجهون نحو الأسماء الأكثر شهرة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وفي المسلسلات التي تبثها مواقع مثل "نت فليكس" وغيرها.
من التسعينيات إلى 2020، مكتبة المسلسلات مرجعية إسمية
الجميع بات يُدمن على مشاهدة المسلسلات ذاتها، الفرنسية والأمريكية والتركية، التي تجبر ملايين الأشخاص على الجلوس في منازلهم أو خلف ألواحهم الذكية لساعات وساعات، حتى صار أبطال تلك المسلسلات جزءا من الحياة اليومية للكثير من سكان كوكب الأرض.
وساهمت فترة الحجر الصحي في رفع نسب مشاهدة المسلسلات ويُقال إن نتائجها على مستويات التكاثر ستظهر خلال شهر الخريف المقبل، ما يجعلنا نتكهن بميلاد مئات الآلاف من الأطفال الذين سيحملون أحد أسماء الشخصيات التي ألهمت المتفرجين على المسلسلات بجميع أنواعها الاجتماعية والخيال العلمي والبوليسية والجاسوسية والسياسية وغيرها، أي أن مجال الخيارات واسع.
وظهرت مؤخرا مجموعة من المسلسلات، معظمها أمريكية، حققت نجاحا منقطع النظير، على غرار "أصدقاء أو Freinds"، و"الامبراطورية Empire" الأبرز في عالم الثقافة الأمريكية السوداء، ومسلسل الخيال العلمي"Walking Dead"، وHurry Potter" و"House of Cards" المستوحاة من الحياة السياسية الأمريكية، و"Castle" وتحقيقاته البوليسية، دون إغفال " Game of Thrones " وما أحدثه من ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف لغاتها.
كما يحرص الفرنسيون على مشاهدة مسلسلاتهم الفرنسية ويستلهمون منها أسماء أطفالهم التي يجدونها أكثر إبداعا وابتكارا وترتبط في أذهانهم بصفات الشخصية التي أدمنوا مشاهدتها. فمن مسلسل "لا تفعل هذا لا تفعل ذاك، Fais pas ci Fais pas ça"، إلى مسلسل "جيراننا الأعزاء Nos chers voisins" مرورا بـ "الحياة أجمل Plus belle la vie"، أسرت الشخصيات قلوب الفرنسيين بتفاصيلها المرحة في بعض الأحيان والحزينة في أحيانٍ أخرى والشريرة ربما في بعضها.
ويتخطى الأمر المسلسلات الحديثة، فحتى الحنين لحقبة التسعينيات بأفلامها وألوانها وموسيقاها وألعابها البدائية، مقارنة بما لدينا اليوم، كل ذلك يجعل من مسلسلات التسعينيات مصدرا غزيرا لأسماء حديثي الولادة في فرنسا، مثل تريكسي وإليوت وبياتريس وماتيو وديان ومليندا وفلورا ونوي ولوانا.
قصور الدراما العربية خلق أسماء مختلفة الثقافات
في العالم العربي، وبسبب تعثر صناعة الدراما وغياب الإنتاج الحكومي وندرة الموارد المخصصة للاستثمار في الإنتاج الدرامي، اتجهت القنوات الفضائية منذ تسعينيات القرن الماضي إلى شراء مسلسلاتٍ مدبلجة، نظرا لقلة تكاليف الترجمة مقارنة بإنتاج مسلسل بأكمله من الألف إلى الياء. فكانت البداية بالمسلسلات المكسيكية والبرازيلية، لتتبعها المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية، ثم الهندية المدبلجة باللهجتين المصرية والخليجية.
وتحتل تركيا اليوم المركز الثاني عالميا في تصدير المسلسلات بعد الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تتصدر الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط قائمة المستوردين لمسلسلاتها التي تدرّ عليها مئات الملايين من الدولارات.
ومع مرور الوقت، وصل تأثير المسلسلات التركية إلى قلب البيوت العربية طابعا عاداتها الموروثة وأسماء ساكنيها التي باتت مستوحاة منها وطغت على الأسماء التقليدية المتوارثة. فاختفت من دول شمال افريقيا أسماء مثل تبرة وفطيمة ومسعود ومبروك وغيرها، وظهرت بدلا منها أسماء مثل "دفنا وأسيلات وبوراك وأليف ولوريتو وإيزيل وسيلا"، على الرغم من أن القانون المدني في بعض الدول العربية يحمل بين طياته مواد تنص على ضرورة أن تكون الأسماء المختارة للمواليد الجدد أسماء متداولة على الساحة، أو في حالة ما إذا لم تكن متداولة أو معروفة فيجب أن يكون لها معنى في المعجم العربي، أو تكون لها دلالة آو معنى تاريخي أو عِرقي مرتبط بالمكونات الاجتماعية في الدولة المعنية، وإلا وجب خضوعها للتدقيق اللغوي.
الطريف أن بعض الآباء والأمهات يتمسكون بإطلاق اسم ما على مولودهم لمجرد استحسانه واستساغة موسيقاه غير آبهين بالقوانين أو الثقافات، ما يدفعهم في بعض الأحيان إلى الدخول في صراع مع المصالح والدوائر الرسمية، أو حتى مع بعض أفراد العائلة كالجد أو الجدة البعيديْن كل البعد عن المستجدات الثقافية هذه، فيضطر الأبوان، في محاولة لإرضاء الجميع، إلى إعطاء الطفل أسماء مركبة من اسمين أو ثلاثة، أحدها قديم نوعا ما والآخر جديد وغير معروف، مما يشكل صعوبة فيما بعد للطفل في بداية مشواره الدراسي، ويربك معلّميه وزملائه.
ولا يتوقف تأثير المسلسلات التركية على الأسماء العربية، بل يتخطاها ليصل إلى أقصى أمريكا اللاتينية في "تشيلي" حيث أظهرت إحصاءات عام 2016، أن المسلسل التركي "أليف" تسبب في إطلاق هذا الاسم على بنات 59 أسرة، ليحل اسم أليف في المركز الـ 200 بين الأسماء الأكثر تفضيلا للإناث في تشيلي، فيما اختارت 9 عائلات أخرى، تسمية بناتها "نيلوفير" على اسم شخصية أخرى في نفس المسلسل وانتشر اسم "فاطمة غول" تأثرا ببطلة مسلسل "ما ذنب فاطمة غول؟" فيما اختارت 16 أسرة اسم "إبراهيم" لمواليدها الذكور، تأثرا بشخصية إبراهيم باشا في مسلسل "حريم السلطان". ولا عجب أن يحدث ذلك في ظل استحواذ المسلسلات التركية على نسب المشاهدة الأعلى في البلاد.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك