كيف أصبح الناطق باسم الجيش الإسرائيلي ملك الـ"فيسبوك" عند العرب؟ (2 من 3)
تعتبر صفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية هي الأشهر لدى المواطنين العرب. فقد تجاوز عدد متابعيه على صفحته في "فيسبوك" أكثر من مليون ونصف المليون متابع. ولديه عشرة آلاف متابع على "تويتر".
نشرت في:
إذا كانت صفحة "إسرائيل تتكلم العربية" هي الصفحة الأكثر متابعة في العالم العربي، فإن صفحة أفيخاي أدرعي هي الأكثر شهرة وأهمية. إنه رجل إسرائيل الأول على صفحات "فيسبوك" و"تويتر"، حيث يتجاوز متابعوه المليون ونصف المليون شخص.
ولا يخفى أن الهدف من إنشاء هذه الحسابات هو ترسيخ "الجيش الذي لا يقهر"، أي الجيش الإسرائيلي، والتركيز على قوته وحيويته من خلال نشر أخبار عن اختراع دبابة إسرائيلية جديدة، أو إرسال قمر اصطناعي إسرائيلي إلى الفضاء، وغير ذلك. والمحصلة تلميع صورة الجيش ومنحه وجهاً إنسانياً. وهذا ما يسعى إليه أدرعي حين ينشر، مثلاً، صورة لجندي إسرائيلي يساعد طفلاً فلسطينياً أو سيدة فلسطينية مسنة. لكن المتابع لا يرى صورة الجندي الإسرائيلي الذي يكسر ذراع مراهق فلسطيني أو يضرب فتاة فلسطينية ويجرها من شعرها.
الموقع يركز أيضاً على ترسيخ مصطلحات إسرائيلية في العقل العربي. فهو يستخدم تسمية "يهودا والسامرة" بدلاً من الضفة الغربية، و"المخربين" بدلاً من "عناصر المقاومة"، و"سكان البلاد" بدلاً من المستوطنين، و"شخيم" بدلاً من نابلس.
تحاول الصفحة دغدغة الذاكرة العربية عن طريق الدين، فهو ينشر مثلاً أن النبي إبراهيم، أو أبراهام بالعبرية، هو أب الديانتين الإسلامية واليهودية. ولا يمر عيد أو مناسبة إسلامية إلا ويطلّ أفيخاي أدرعي ليهنئ المسلمين. وهو لا ينسى، طبعاً، حلول شهر رمضان ليدعو للمسلمين بالرحمة والصبر وأن يتقبل المولى صيامهم وصلاتهم.
ويبرع الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، بشكل خاص، في استخدام الأحاديث النبوية وآيات من القران الكريم لاستدراج تعاطف مواطني الدول العربية من الشباب وترسيخ فكرة أن العادات العربية واليهودية مشتركة.
الفنانة أليسا تصفه بـ"مختل ووقح"
كما أن أفيخاي أدرعي لا يضيع فرصة للتفاعل إلا وقام باستغلالها. فقد قام مؤخراً بتهنئة المغنية اللبنانية جوليا بطرس، المعروفة بتوجهها القومي العربي، بعيد ميلادها. وهو لا يكترث برد فعلها أو بردود معجبيها الذين يوجهون له الشتائم. ولعل هذا النوع من الردود يغني صفحته ويزيد عدد المعجبين بها أو عدد "اللايكات" من جمهور مقابل.
ثم ظهرت كابتن إيلا، وهي ضابطة تعمل في قسم الاعلام بالجيش الإسرائيلي، قامت بتصوير فيديو عن وباء "كورونا"، من قاعدة عسكرية ونشرته على صفحة أدرعي. وتستعير صاحبة الفيديو كلمات من أغنية للفنانة اللبنانية اليسا تقول فيها: "وهيك ما بدي تقرب لي... وتسلم علي". وتعلق الكابتن إيلا قائلة: "كلنا عرب ويهود وأجانب نتحدى وباء كورونا بيد واحدة". وعلى الفور يتفاعل شباب عرب مع مقطع الفيديو، ومنهم من يكتب: "إذا أنتجتم لقاحاً فأنا مستعد لزيارة إسرائيل وتلقي اللقاح". ويعلق آخر: "لماذا لا ترتدي الضابطة القناع... هذه سقطة منكم". ويبدي ثالث إعجابه بجمالها. كما لا ينسى الناطق باسم الجيش الإسرائيلي تأدية "الواجب" في المناسبات الحزينة، ويكتب معزياً بوفاة فنان عربي لكي يغذي مشاعر التعاطف معه فتتواصل الدردشة والتفاعل ويتناقل الناس منشوراته. لكن أدرعي ليس ناعماً على طول الخط، فهو قد هاجم أليسا لأنها اتخذت موقفاً مؤيداً للفلسطينيين، وكانت النتيجة أنها منعته من الدخول إلى موقعها ووصفته بـ "مختل ووقح" بعد أن هنأها بعيد ميلادها.
أدرعي والمطبعون العرب
يروج أفيخاي أدرعي للمطبعين العرب ويقوم بتضخيم عددهم. ونشرت المغردة السعودية سعاد الشمري عبر حسابها مقطع فيديو هنأت فيه أدرعي بعيد ميلاده ووصفته بـ"المغرد الجميل الذي يكتب لنا آيات قرآنية وأحاديث نبوية ويستنبط من عقيدتنا كمسلمين ما يدعو للسلام". ورد عليها أحد المغردين الفلسطينيين: "وهل أنت بحاجة إلى الناطق باسم الجيش الإسرائيلي ليستنبط لك شيئاً من العقيدة الإسلامية ومكة ببلدكم؟".
وبحسب الصحافة الإسرائيلية، فإن الفكرة الأساسية من صفحته، هي جمع المعلومات من الشباب العربي من خلال منشوراتهم التي "تحتوي على لا شيء وكل شيء"، وغربلتهم ومحاولة تجنيد بعضهم للتعاون مع "الموساد".
مدونات خليجية في السياق نفسه
هذه المواقع الإسرائيلية باللغة العربية، خلقت ظاهرة التدوين الإلكتروني البسيط في الدول الخليجية وخصوصاً في المملكة العربية السعودية. فقد تزايدت تلك المدونات بشكل مطرد. لكن المدونين يبقون قلة، ولا تجتذب صفحاتهم متابعين كثراً. وفي المقابل ازداد عدد المدونين الذين يتهجمون على الفلسطينيين ويحاولون التقرب من الإسرائيليين. ومن هؤلاء المدون السعودي محمد القحطاني الذي طالب بنقل رعاية شؤون الأقصى من الأردن إلى إسرائيل، وهو طلب كان من المستحيل، خلال السنوات الماضية، أن يصدر عن مواطن سعودي.
مواطن سعودي آخر يدعى محمد سعود، زار إسرائيل ضمن وفد عربي بدعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية وقام بالصلاة في المسجد الأقصى. لكن زيارته تحولت إلى فضيحة في "يوتيوب" بعد توثيق اعتداء لفظي تعرض له الزائر السعودي أثناء توجده في البلدة القديمة من القدس. بعد ذلك اتصل نتنياهو بمحمد سعود وطيب خاطره.
يرى السعوديون أن وقت المصارحة قد حان. وبدأت تظهر تعليقات تشير في مجملها إلى الفلسطينيين باعوا الكظية (القضية)، والمعزوفة القديمة من أنهم باعوا أراضيهم، وهم من يعتدي على الإسرائيليين بالسكاكين وإطلاق الصواريخ من غزة. وقد دعا المدون السعودي محمد الشيخ إلى منع الفلسطينيين من أداء فريضة الحج، واصفاً إياهم بأنهم شتات الرومان والصليبيين. الكاتب السعودي المثير للجدل أيضاً رواف السعين قال عبر فيديو مسجل إن لا حق للفلسطينيين بالأرض لأنها تعود لليهود، وليست لهم قضية، ولا يوجد أقصى، ولا من يحزنون.
وفي شهر رمضان 2020 تم بث مسلسلين على قناة MBC، الأول كويتي بعنوان "أم هارون" والثاني "مخرج 7" الذي دعا للتطبيع مع إسرائيل. وكسر المسلسلان المحظور وتطرقا لمواضيع حساسة لم يسبق للدراما الخليجية أن اقتربت منها من قبل.
ويتساءل الفلسطينيون عما إذا كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على علم بهذا الافتراء على الفلسطينيين ومهاجمتهم حد الشتائم، وهو الذي يحصي على السعوديين أنفاسهم، أم أنه يحضر لمرحلة جديدة؟
"قالوا عن إسرائيل"
ونماذج التهجم كثيرة. فقد قامت وزارة الخارجية الإسرائيلية بتخصيص صفحة للمدونين العرب تحت عنوان "قالوا عن إسرائيل". وأثار المغرد الإماراتي محمد المزروعي جدلاً على وسائل التواصل عندما تساءل: "هل تعلمون بأن فلسطين كانت قد اُحتلت 24 مرة... وين الزلم من الفلسطينيين؟".
ووصف المغرد الكويتي عبدالله الهدلق الشعب الفلسطيني بأنه "إرهابي" وأعلن انتماءه إلى الإسرائيليين واستغرب قيام الفلسطينيين بالتعدي على الجنود الإسرائيليين. وأصبح الهدلق حديث الصحافة الإسرائيلية.
وتكاد الكويتية فجر السعيد، كاتبة الدراما والصحافية والمنتجة، تتحول إلى عدوة للفلسطينيين، وهي التي عرفت بمناصرتها للقضية الفلسطينية. وكانت قد طلبت من الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يدعوها لزيارة فلسطين والصلاة في الأقصى، وقد دعاها بالفعل في عام 2016 وتجولت في مدن الضفة الغربية. لكن فجر السعيد تدين اليوم صواريخ "حماس"، فتقوم الخارجية الإسرائيلية بتهنئتها.
وفي عام 2014 نشر الكاتب الكردي العراقي مهدي مجيد عبدالله مقالاً في موقع "إيلاف" السعودي يمجد فيه الشخصية الإسرائيلية، تحت عنوان "يا ليتني كنت إسرائيلياً". وطالب كاتب المقال بأن يكون الرئيس العراقي من اليهود الأكراد.
للمزيد:
مواقع إسرائيلية باللغة العربية ولكنتها عبرية لكسب تعاطف الجمهور العربي (1 من 3)
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك