تعيش تونس منذ أسابيع على وقع التحويرات التي ادخلها البرلمان على القانون الانتخابي والتي رأى فيها أغلب الملاحظين بأن الغاية منها هي إقصاء بعض المرشحين الذين يتصدرون نوايا التصويت. ذلك أن منع ترشح من يستغل العمل الخيري الجمعياتي للدعاية السياسية وبأثر رجعي لمدة سنة يستهدف حزب "قلب تونس" ومبادرة "عيش تونسي". لكن بالرغم من قبول الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية لقوانين بهذه التنقيحات، فإن تفعيلها يتطلب توقيع رئيس الجمهورية وهو ما لم يتم إلى حدود انتهاء الآجال الدستورية مع منتصف يوم الجمعة الماضي مما يفتح الباب على الكثير من المجهول الذي قد يتهدد انتخابات نهاية هذه السنة.
ففي هذه الحالة وحسب الدستور التونسي على رئيس الجمهورية إما ختم القانون أو إرجاعه للبرلمان لإعادة التصويت بنسبة 60 بالمائة أو عرضه على الاستفتاء الشعبي. غير أن رئاسة الجمهورية لم تقم بأي من هذه الإجراءات الثلاث مما فتح باب التأويل الدستوري على مصراعيه مع ما يمكن أن ينجر عنه من عواقب وخيمة على مستوى المسار الانتقالي برمته. فالائتلاف الحاكم بقيادة حزب رئيس الحكومة يوسف الشاهد، "تحيا تونس"، متشبث بتفعيل القانون الانتخابي المعدل وبالتالي إقصاء خصومها. في حين يعتبر معارضوه بن الرئيس رفض توقيعه وبالتالي يعتبر لاغيا.
ونتيجة لهذه الخلافات العميقة وجدت الهيئة المستقلة للانتخابات نفسها في موقف حرج. فعلى المستوى التقني تبقى غير قادرة على البت في الترشحات التي ستنطلق رسميا غدا الاثنين في ظل عدم تفعيل القانون الجديد. وهذا يعني على الأقل مراجعة رزنامة الانتخابات وربما تأجيلها إلى حين اكتمال الأطر القانونية. وهذا بدوره محل خلاف كبير بين مختلف الأحزاب زاد من حدته غياب المحكمة الدستورية.
من جهة ثانية، ألقى الوضع الصحي للرئيس الباجي قائد السبسي بضلاله على هذه الأزمة الدستورية. فغيابه المتواصل لمدة أسبوعين طرح التساؤل من جديد عن مدى قدرته على تسيير شؤون الدولة وضمان السير العادي للمؤسسات. إذ يرى بعض المتابعين بأن المحيط العائلي للرئيس استحوذ على زمام الأمور وأصبح يستعمل ختم التنقيحات الجديدة كورقة للمقايضة السياسية. وفي ذلك تهديد كبير ليس للانتقال الديمقراطي فحسب بل أيضا لاستقرار الدولة.
لذلك ومهما كانت خلفيات الوضع الحالي، فمن الأكيد أن تونس التي استطاعت تحقيق الانتقال السلمي للسلطة بعد الثورة بفضل ثقافة الدولة تقف اليوم أمام تهديد حقيقي سببه ثقافة الأحزاب التي تدور حول الحكم وليس حول مسؤولية تسيير الشأن العام.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك