لم تكن الذكرى السبعون لتأسيس حلف شمال الأطلسي، مجرد وقفة استعراضية واحتفالية بل كانت قمة لندن في هذه المناسبة فرصة للخوض في المسائل الأساسية والتوصل الى تفاهمات مبدئية لإعادة تحديد غاية هذا الحلف وأهدافه ومستقبل دوره.
منذ نهاية الحرب الباردة في بداية تسعينات القرن الماضي، ساد الاعتقاد بعدم جدوى استمراره إثر زوال منافسه حلف وارسو. لكن واشنطن المنتصرة حينها تصورته شرطياً لكل العالم وتمسكت به وأخذت تعمل لاحقا على توسيعه نحو جوار موسكو المنهزمة. وبعد حدث ١١ سبتمبر الإرهابي دخل الناتو الحلبة في الحرب العالمية ضد الإرهاب، وعاد دوره لينتعش رويداً رويداً مع العودة الروسية الى الساحة الدولية والصعود الصيني. لكن وصول إدارة دونالد ترامب الذي كان ينظر الى الحلف من الأدوات البالية والمكلفة ماديا عاد ليثير المخاوف حول أهليته وحول المظلة الأمنية الأميركية فوق أوروبا، وزادت الأمور تعقيدًا مع العملية التركية في شمال سوريا والإشكالية التي اخذت تطرحها انقرة نظراً لرقصها على الحبل المشدود بين واشنطن وموسكو.
من هنا جاءت صرخة ماكرون عن " الموت الدماغي " للناتو وردود فعل ميركل وترامب وأردوغان عليها، مع ما سببته من شكوك حول إمكانية تجاوز التناقضات.
على صعيد العلاقة ما بين ضفتي الأطلسي، لم يتردد ماكرون في وضع الأصبع على الجرح غامزاً من قناة الرئيس دونالد ترامب الذي يتعامل مع " حلف شمال الأطلسي كمشروع تجاري وأنه مقابل المظلة الإستراتيجية التي توفرها الولايات المتحدة لأوروبا، تطلب واشنطن الهيمنة التجارية والاقتصادية" ولهذا دعا ماكرون إلى إقامة ركيزة أوروبية لحلف شمال الأطلسي في ظل أحادية أميركية وانعزالية ترتسم في الأفق.
في المحصلة تمكن الرئيس الفرنسي من التمسك بوجهة نظره أمام محاولة نظيره الأميركي أخذ النقاش بعيدا عن أي تفكير مستقبلي عملي، وتوصل حلف الناتو الى تشكيل مجموعة لدراسة الاستراتيجية وكان هناك توافق مبدئي على الديمومة والحرب ضد الاٍرهاب وكذلك التصدي لمخاطر التهديد الروسي والصعود الصيني، من خلال تجديد العقد والغايات يستمر حلف الناتو في عالم مضطرب ليس فيه بالفعل لا حوكمة ولا قيادة.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك