عشية اجتماع باريس حول لبنان، قال رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري إنه ينبغي تكليف سعد الحريري بتأليف الحكومة المقبلة، وتساءل البعض عما إذا كان هذا يعني تغييرا في مواقف بري من الشروط التي وضعها الحريري بتشكيل حكومة من التكنوقراط، إلا أن العارفين بالحياة السياسية اللبنانية يدركون أن التعبيرات السياسية في هذا البلد تختلف عن بقية العالم، وأن تكليف الحريري لا يعني بالضرورة تشكيل الحكومة، وإنما على العكس، الزج به في متاهة المفاوضات والصراعات حول المحاصصة الطائفية.
والحريري من جانبه، والذي استقال وأعلن تمسكه بمطلب الحراك الشعبي في حكومة تكنوقراط، لا يريد مغادرة المنصب بالفعل، إذ قام، وبصورة نشطة، باقتراح أسماء لخلافته، والمسارعة بحرق تلك الشخصيات عبر مختلف الوسائل، كما أن حديثه عن حكومة تكنوقراط ، ووفق أغلب المراقبين، لا علاقة له بمطالب الحراك الشعبي، وإنما تقف ورائه مجرد الرغبة في استبعاد حزب الله من الحكومة المقبلة، استجابة لمطالب الراعي السعودي.
وحزب الله، وبالرغم من أنه فقد الكثير من من هيبته وتضررت سمعته السياسية بصورة كبيرة إلا أنه ما زال يتمتع بالهيمنة العسكرية على البلاد، وهو مستعد لخوض أشرس المعارك السياسية الطويلة دفاعا عن مقاعده الوزارية وعن الصيغة الطائفية للحكم.
نستطيع القول أن الطبقة السياسية اللبنانية، وعلى عادتها في هذه التحديات، وصلت إلى الطريق المسدود، وبرهنت، مجددا على حالة الشلل التي تعاني منها بسبب مرض المحاصصة الطائفية العضال.
ولكن هناك عنصران جديدان هذه المرة، أهمهما هو الحراك الشعبي، الذي في واد آخر بعيد تماما عن هذه اللعبة، ويصرخ منذ شهور في الشوارع "كلن يعني كلن" ويبرهن عبر ممارساته اليومية أن هذا المرض، مرض المحاصصة الطائفية، ينحسر تدريجيا عن الشارع، وأصبح محصورا في الطبقة السياسية.
والعنصر الثاني يتعلق بالكارثة الاقتصادية التي تشكل خطرا قد يدمر هذا البلد بالفعل، هذه المرة، ذلك إن الصديق الفرنسي، المحرج أمام هذا الوضع، كان واضحا وقاطعا على لسان وزير الخارجية جان إيف لودريان، في أن اجتماع باريس هو، فقط، لحث لبنان على تشكيل الحكومة، وأنه الشرط الملزم للحصول على العشرة مليارات دولار، التي أقرها مؤتمر سيدر.
وفي إطار هذا العنصر الثاني تلعب البنوك اللبنانية لعبة خطيرة بإغلاق أبوابها تارة، وتحديد السيولة النقدية من العملة الأجنبية التي توفرها، تارة أخرى، وبمختلف الحجج، وهو ما بدأت نتائجه تظهر في عمليات تخفيض رواتب العاملين في عدد كبير من الشركات وتسريح أعداد أخرى.
فهل تلعب البنوك اللبنانية دور الدولة العميقة التي خنقت انتفاضات الشارع في بلدان عربية أخرى؟
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك