الرد الإيراني على قتل الجنرال قاسم سليماني بقصف قاعدتين أمريكيتين في العراق، دون أن يؤدي ذلك لسقوط قتلى في صفوف الجنود الأمريكيين أو إلحاق خسائر مادية كبيرة بالقاعدتين، وفقا لدونالد ترامب ... هذا الهجوم الإيراني أثار ردود فعل أولية ساخرة على شبكات التواصل الاجتماعي وفي عدد كبير من أجهزة الإعلام العربية.
ويجب القول أن الحكم المباشر على الرد الإيراني يؤكد أنه كان هزيلا ويكشف ضعفا يتناقض مع الدعايات التي تطلقها الجمهورية الإسلامية حول قدراتها العسكرية، ولكن الحكم على الأمر لا يمكن أن يقتصر على هذا الجانب دون الانتباه إلى جوانب أخرى تتعلق بالتوازنات الإقليمية والدولية، ذلك إن الأهداف ومدى قوة الضربة التي احترمت الخطوط الحمراء لترامب، بعدم سقوط قتلى أمريكيين، تكشف أننا أمام مباراة في الشطرنج، وأن ترامب الذي قام بحركته الأولى بشكل قوي بقتل سليماني، يواجه حركة إيرانية استكشافية لمدى قدراته، ولكن المباراة ما زالت في البداية.
تنبغي الإشارة أيضا إلى أن حركة الشطرنج الإيرانية هذه تشكل خطوة نوعية تتمثل في أنها المرة الأولى التي تضرب فيها إيران أهدافا أمريكية انطلاقا من أراضيها ومعلنة مسئوليتها عن الضربة.
امتناع ترامب عن التصعيد، لا يعني أن المعركة انتهت، ويشير الرد الإيراني الحريص على عدم إشعال نيران مواجهة عسكرية مباشرة أو ما أسماه البعض بالحرب العالمية الثالثة، وفق للكثير من المراقبين الغربيين، إلى أن طهران ستواصل ضرباتها للأمريكيين بصورة غير مباشرة عبر المليشيات الحليفة في العراق ولبنان واليمن، أو باستهداف شخصيات أمنية أمريكية بعيدا عن الأضواء.
يبقى السؤال عن الحصيلة، في حال صحة هذا السيناريو؟
بالنسبة للرئيس الأمريكي، الذي حقق بقتل سليماني والرد الإيراني المحدود نصرا أوليا، فإن استمرار الإيرانيين بتوجيه هذا النوع من الضربات غير المباشرة، خلال المرحلة المقبلة، سيسمم حملته الانتخابية بصورة كبيرة.
وإذا كان الإيرانيون قد استفادوا من قتل سليماني، الذي أدى عمليًا لإسكات حركة الاحتجاج القوية ضد حكم آيات الله في إيران وهيمنتهم على السلطة في العراق، وإعادة التفاف الجماهير حولهم وحول المليشيات الحليفة لهم في العراق، فإن الهوة الكبيرة بين سياستهم وتحركاتهم البراغماتية في المواجهة مع واشنطن، والخطاب الناري الذي يطلقونه ليلا نهارا في المنطقة، أدى عمليا إلى حملة السخرية التي تحدثنا عنها والتي لا تنبع من فراغ، وإنما ترتبط بالقدرات العسكرية الإيرانية، التي يصفها الخبراء بالمحدودة مع طائرات ومدرعات تعود إلى السبعينات، وتجهيزات عانت كثيرا من نظام العقوبات، مع استثناء القدرات الإيرانية في مجال الصواريخ.
عموما، يذكرنا كل ذلك بحديث ماوتسي تونغ الشهير عن "النمور الورقية".
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك