قبل عدة أسابيع، قدّر مانويل فالس رئيس الوزراء الفرنسي الجديد ووزير الداخلية السابق، عدد الذين يوصفون ب"الجهاديين" الذين انطلقوا من فرنسا إلى سوريا للمشاركة في القتال ضد القوات النظامية السورية بمائتين وخمسين مقاتلا. لكن المعلومات الرسمية الجديدة التي كشف عنها في الأيام الأخيرة حول الموضوع تذهب إلى التأكيد على أن عدد هؤلاء الجهاديين يبلغ سبع مائة شخص.
إعلان
هناك ثمة شبه إجماع اليوم لدى جامعي المعلومات المتصلة بهذا الملف على أن المنخرطين في النزاع السوري والقادمين من دول الاتحاد الأوروبي يأتي الفرنسيون أو القادمون من فرنسا في مقدمتهم، يليهم أولئك الذين يأتون من بريطانيا وبلجيكا وألمانيا وهولندا.
تطالب اليوم أصوات لدى أجهزة الأمن والمخابرات الفرنسية بضرورة رفع حجم الإمكانات البشرية والمالية والتقنية المخصصة لرصد تحركات المنطلقين من فرنسا والعائدين إليها من الذين ينخرطون في النزاع السوري.
وتلح هذه الأصوات على ذلك لأن أصحابها يرون أن معرفة كل حالة من حالات هؤلاء المنخرطين في الجهاد تشكل عنصرا هاما من العناصر التي تساعد على معالجة هذا الملف الشائك.
فقد كان يعتقد من قبل مثلا أن غالبية الذين يغريهم السفر إلى سوريا للمشاركة في "الجهاد" ينتمون إلى أسر المهاجرين العرب المقيمين في فرنسا. ولكنه اتضح شيئا فشيئا أن الأمر غير ذلك، وأن بين المرشحين مثلا كثيرا من الشبان هم أصلا فرنسيون كانوا يدينون بديانات أخرى منها الديانتين المسيحية واليهودية واعتنقوا الإسلام، وأن حرصهم على المشاركة في الجهاد يعزى إلى سعيهم إلى إقناع الشبكات التي تنتدبهم للانخراط في القتال بأنهم جزء من الأمة الإسلامية.
من المظاهر الأخرى التي تدل على أن هذا الملف معقد فعلا، أن طرق انتداب الجهاديين الأوروبيين وبالتالي الفرنسيين أو القادمين إلى سوريا من فرنسا، قد تطورت كثيرا في الأشهر الأخيرة وأصبحت لا تكتفي بضمان عملية وصولهم إلى ساحة القتال، بل تتجاوزها إلى ممارسات أصبحت تشكل فعلا خطرا على الأمن القومي الفرنسي.
ما يطلب من هؤلاء الشبان الذكور والإناث إحداث قطيعة مع أهلهم والمقربين منهم، والعمل على المفاخرة بما يقومون به على وسائل التواصل الاجتماعي، والاستعداد عند العودة إلى فرنسا إلى القيام بعمليات إرهابية تطال أهدافا حكومية ومدنيّة.
بل تأكد من خلال المعلومات الجديدة حول الملف أن هناك اليوم حرصا شديدا لدى الشبكات التي تعنى بانتداب الجهاديين الأوروبيين على الاستثمار في الأفراد بدل التركيز على المجموعات، انطلاقا من مبدأ أن الخلية التي فيها فرد واحد يمكن أن تكون أكثر نجاعة من الخلية التي فيها أكثر من شخص.
كل هذه الإشكالات تعقد اليوم أكثر فأكثر عمل القضاء الفرنسي الذي يجد نفسه محرجا أمام أشخاص يشتبه في انتمائهم بشكل أو بآخر إلى هذه الخلايا الفردية أو الجماعية، ولم تتجاوز سنهم الخامسة عشرة أحيانا. ويجد قضاة التحقيق صعوبة في الرد على سؤال معقد يطرح أمامهم كل مرة ويمكن تلخيصه كما يلي: هل هؤلاء المراهقون مجرمون حقيقيون، أم متدربون محتملون على الإرهاب، أم ضحايا؟
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك