تسببت الاختراقات العسكرية التي حققتها حركة "داعش" في العراق في أحداث هزة سياسية ودبلوماسية قوية. لازالت أصداؤها تحرك مراكز القرار الأمني والسياسي الدولي.
الأزمة العراقية كانت تعيش في ظل اشتعال الجبهة السورية وتعبئة المجموعة الدولية للاعبين إقليمين نافدين للإطاحة بنظام بشار الأسد وها هي الآن تستحوذ على انشغالات المجموعة الدولية وتجعل من العراق كابوسا أمنيا يهدد المنطقة بكاملها.
صحيح أن حركة "داعش" ولدت في العراق كرد فعل على تداعيات الاحتلال الأميركي وتفكيك نظام صدام حسين. لكنها انتعشت بصورة قوية مع اندلاع الأزمة السورية. وأصبح ما كان يشبه عشا إرهابيا محلياً يقاتل في بؤر محدودة تهديدا إرهابيا إقليميا ودوليا هي صورة معقدة حاول الإعلام الغربي الغوص في أبعادها ورموزها. داعش التي أصبحت قواتها تهدد بغداد اليوم تستمد قوتها وجبروتها من الدعم العربي والغربي الذي استفادت منه عندما أدرجتها قوات إقليمية على قائمة المنفدين الفعليّين لعملية الإطاحة بنظام بشار الأسد و جندتها لهذه المهمة وأغرقتها بأحدث التجهيزات العسكرية و المساعدات المادية.
وقد طرح العديد من المراقبين ملامح هذا التناقض الأمني الدولي. فكيف يمكن أن يعول على "داعش" في سوريا وتقدم على أنها تخدم أجندة إيجابية تشتهيها المجموعة الدولية وتحارب في العراق وتصور على أنها أخذت مكانة القاعدة في مخيلة الإعلام الغربي والعربي.
"داعش" الصديقة بين قوسين والحليفة الأمنية في سوريا هي نفسها "داعش" العدوة في العراق والتي يجب محاربتها حتى آخر رمق صحيح انه في طريقة تعاملهم مع الأزمة السورية حاول الغرب والعرب إخراج "داعش" من الصورة ومحاولة تحجيم وتقزيم دورها، لكن دون أن يرفع ذلك اللبس الذي يلف مصير "داعش".
والآن وبالرغم من كل التساؤلات التي تخيم حول خلفيات الاختراقات العسكرية التي حققتها "داعش" في العراق تلقى الرئيس براك أوباما تداعيات الأزمة العراقية كتأثير ارتدادي عكسي لم يكن يضعه في الحسبان هو الذي اختار أن يسحب القوات الأمريكية من المسارح العالمية المتوترة وامتنع عن إرسالها على حلبات عسكرية جديدة.
الجميع ينتظر حاليا نوعية الرد الذي يمكن أن تقدمه الإدارة الأمريكية لمعالجة هذا الوضع العراقي الخطير. تدخل عسكري؟ قصف جوي كما يوحي ذلك قرار إرسال حاملات طائرات أمريكية إلى الخليج؟
أوباما وهو يفكر في رسم هذه السياسة تلقى مساعدة مفاجئة ومثيرة للانتباه من إيران، لم يستبعد الرئيس الإيراني حسن روحاني تقديم مساعدات للولايات المتحدة إذ قررت التدخل ضد الجهاديين في العراق وتبين أنها تحارب المجموعات الإرهابية.
هذا الاقتراح الإيراني أعاد إلى الأذهان التقارب الإيراني الأميركي الذي تم على خلفية التفاهم الاستراتيجي حول ملفين أساسين النووي الإيراني والكيماوي السوري. وجاءت "داعش" لتكريس بطريقة أو بأخرى شهر العسل بين طهران وواشنطن في وقت أنزلت فيه عاصمتان نافدتان في المنطقة، الإسرائيلية والسعودية، بكل تقلهما لإقناع الإدارة الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية لإيران. ولا شك بأن هذه الدول تنظر بنوع من الريبة والحذر إلى مرحلة الغزل السياسي بين الأميركيين والإيرانيين الذي فرضته اختراقات "داعش" في المنطقة.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك