يشكل يوم 15 يونيو/ حزيران عام 2015 يوما هاما في سجل مساعي السلطات الفرنسية الرامية إلى بلورة أرضية جديدة تأخذ في الحسبان خصوصيات الإسلام الفرنسي، وتساعده على التكيف بشكل عملي وذكي مع الأحداث والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية.
إعلان
فقد أشرف مانويل فالس رئيس الوزراء الفرنسي في ذلك اليوم على افتتاح أول اجتماع من اجتماعات إطار جديد من أُطر هذه الأرضية هدفه تسهيل الحوار بين الدولة الفرنسية من جهة ومسلمي فرنسا أو الأجانب المسلمين المقيمين فيها من جهة أخرى .
وجديد هذه الإطار الجديد أن الانتماء إليه ليس حكرا على الأئمة وعمداء المساجد وممثلي المجلس الوطني الفرنسي للديانة الإسلامية. فالمنتمون إليه يمثلون أيضا منظمات المجتمع المدني التي تُعنى بمواضيع أخرى لا تتعلق بالضرورة بالجوانب الدينية لدى المسلمين.
ونجد في الإطار الجديد أيضا باحثين وأكاديميين ومدرسين وفلاسفة وشخصيات أخرى تنادي مثلا منذ سنوات بضرورة ألا يقتصر الحوار بين الدولة الفرنسية ومسلميها على الجوانب المتعلقة بالشعائر الدينية وأن يتجاوز ذلك إلى مسائل متصلة مثلا بقيم المواطنة وبالحقوق والواجبات التي هي حقوق أي مواطن وواجباته بصرف النظر عما إذا كان ملتزما بالشعائر الدينية أو غير ملتزم بها.
والواقع أن مهمة السلطات الفرنسية الهادفة إلى بلورة أُطر جديدة تجسد خصوصيات الإسلام الفرنسي وتعززه مهمة شاقة جدا لأسباب يتعلق بعضها بسياق العمليات الإرهابية التي تقترفها اليوم مجموعات إسلامية متطرفة في فرنسا وفي بلدان أوروبية أخرى وفي مناطق تابعة للعالمين العربي والإسلامي. ويتصل الجزء الآخر منها بالجدل الفرنسي الذي احتد في الأشهر الأخيرة ولم يحسم بعد بشأن العلاقة القائمة أو تلك التي ينبغي أن تقوم بين الإسلام الفرنسي والعلمانية وبمدى قدرة المسلمين على التكيف مع الواقع الفرنسي.
فالعمليات الإرهابية التي اقترفت في باريس في بداية العام الجاري ساهمت إلى حد كبير في تعزيز مشاعر الحقد والكراهية لدى شرائح هامة في المجتمع الفرنسي تجاه الإسلام والمسلمين من ناحية. وساهمت في بروز خطاب معاد لليهود من ناحية أخرى.
وإذا كانت الدولة الفرنسية تطلب اليوم من مسلمي فرنسا مساعدتها على التصدي لمشاعر الكراهية ضد الإسلام والمسلمين ومواجهة الخطاب المعادي للسامية، فهي عاجزة حتى الآن عن بلورة إطار شفاف ومقنع يضمن التعايش بين العلمانية وحق المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية إذا كانوا ملتزمين بذلك.
وإذا كان المدافعون عن الجوانب المتصلة بالشعائر الدينية داخل المنظمات التي تعنى بالإسلام والمسلمين في فرنسا يطالبون الدولة الفرنسية بمساعدتهم في هذا الشأن، فإنهم لا يزالون متحفظين على المطالب الصادرة عن عدد من مسلمي فرنسا والتي تدعو لفتح المجال أمام المسلمين لإطلاق مبادرات من شأنها مساءلة الإسلام الفرنسي على نحو يسمح مثلا بتعزيز ثقافة الاحتكام إلى العقل لدى أبناء الجالية الإسلامية الفرنسية.
ويأمل الداعون لمساءلة الإسلام الفرنسي في أن يسمح هذا التمرين بجعل شباب فرنسا من الذين يدينون بالإسلام مقتنعين بأن الديانات تتساوى بين بعضها البعض، وبأن مبدأ حرية المعتقد، أحد مبادئ الجمهورية الفرنسية ليس عدوا للدين الإسلامي، بل هو درع يمكن أن يساهم في حماية مسلمي فرنسا في المستقبل من فكر الحركات الإسلامية المتطرفة.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك