لا شيء يوحي بأن الحرب التي تشنها الأسرة الدولية تحت اسم التحالف المناهض للإرهاب قادرة على القضاء في أمد منظور، على كل أنواع التطرف المنضوية تحت لواء تنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيمات مشابهة.
ما يدفع إلى هذا الاستنتاج هو تمسك قيادة التحالف، ربما عن سابق تصور وتصميم، بإستراتيجية عسكرية تكتفي بضربات موضعية من الجو يعرف الجميع أنها لا تحسم الحرب،أو بإرسال خبراء عسكريين لا تخرج مهمتهم عن إطار تقديم النصح لقيادة جيوش دول مخترقة كما هو الحال في العراق أو أصبحت رديفا لميلشيات تقاتل إلى جانبها أو عنها، كما هو الحال بالنسبة لسوريا.
لم يطور التحالف استراتجيته إلى خطة لمواجهة برية شاملة على كل الجبهات في العراق وسوريا ، وما يؤكد الاستنتاج بعدم وجود قرار بشان إستراتجية الحسم هو ما تردد أخيرا عن تخبط أميركي في مشروع تدريب قوات من المعارضة السورية المسماة معتدلة .
بالمقابل أظهر تنظيم الدولة الإسلامية فاعلية عسكرية في الميدان واستطاع الحفاظ على مكاسبه الجغرافية على الرغم من بعض النكسات الآنية وعمليات الكر والفر ،وأخرها ما حصل في تل ابيض وفي كوباني أو عين العرب في مواجهة القوات الكردية .
ولد تنظيم الدولة الإسلامية من رحم تنظيم القاعدة كما هو معروف. لقد وضع مؤسس تنظيم القاعدة إستراتجية هرمية من الرأس إلى القاعدة تقوم على إعداد كوادر قيادية أقام معها شبكة اتصالات عن بعد عبر وسائل الاتصال الحديثة والمشفرة ،وكان يضع خططه ويناقشها مع قيادات تنظيمه من مقر قيادته المركزية ،وكانت هذه القيادات تشكل صلة الوصل مع العناصر ،واختار بن لادن معركته مع الولايات المتحدة الأميركية تحديدا والغرب عموما بعدما صنفها قوى استكبار معادية للإسلام . أظهرت هذه الإستراتجية فاعلية محدودة خصوصا في المعركة على ارض العدو وكان انجازها المزلزل يتيما إذا صح التعبير في تفجيرات 11 من أيلول سبتمبر لتتحول بعدها العمليات إلى تفجيرات متنقلة على ارض إسلامية.
لقد اقتبس تنظيم الدولة الإسلامية إستراتجية بن لادن الهرمية ولكنه طبقها بشكل معكوس أي من القاعدة إلى رأس الهرم، فاعتمد على وسائل التواصل الحديثة في شحن قواعده وفي تجنيد جهاديين من الشرق والغرب وأقام علاقة مباشرة معهم وترك لقياداتهم المحلية حرية التحرك وتخلى تنظيم الدولة الإسلامية عن هدف نقل المعركة إلى ارض قوى الاستكبار الغربي واستولى على أراض صنفها أراض "دولة الخلافة "بادئا من العراق ومنتقلا إلى سوريا، فحصل على مقومات كيان دولة بحسب التعريف الجيو سياسي لكيان الدول في التعريف الحديث: مساحة جغرافية مترابطة الأجزاء وجيش وعنصر بشري أصبح مواطنا في هذه الدولة ووصل الأمر إلى وضع تشريعات خاصة والى صك عملة وتامين موارد مالية مصدرها الأول أبار النفط الواقعة ضمن جغرافيا دولة الخلافة .
لقد عرف تنظيم الدولة الإسلامية كيف يحمي دولته بجيش يضم في صفوفه مخططين عسكريين، ومحاربين قدامى اكتسبوا خبرة في العراق ضد الاحتلال الأمريكي، فضلا عن "دولة مصغرة" في سوريا، ومجاهدين أجانب قاتلوا في الشيشان والبلقان.
كل التوقعات والوعود عن قرب دحر تنظيم الدولة الإسلامية أو تحرير مناطق يسيطر عليها ليست سوى خطابا سياسيا لا ترجمة عملية له ما لم يغير التحالف الدولي إستراتجيته لتتأقلم مع الواقع الذي فرضته الإستراتيجية الجديدة للجماعات التي يريد هذا التحالف أن يقضي عليها .
الجواب يعرفه القيمون على هذا التحالف ،والخبراء العسكريون يؤكدون أن "تنظيم الدولة الإسلامية سيواجه صعوبات في الدفاع عن مناطقه أو السيطرة على مناطق جديدة فيما إذا تعرّض لهجوم من نقاط متعددة، أو إذا ما بدأ مساندوه الإقليميون بالتخلي عنه .وتعتبر خطوط الاتصال بين المقر الإداري للتنظيم في مدينة الرقة بسوريا وبين مراكزه في العراق، من بين نقاط الضعف. وما عدا ذلك فإن إرث بن لادن صامد.