لقد بدا واضحا منذ الأيام التالية لتوقيع الاتفاق في الرابع عشر من الشهر الحالي أن أوجه خلافات كثيرة لا تزال تحكم العلاقة بين الطرفين أولها غياب الثقة خصوصا بين طهران والولايات المتحدة الأميركية ، الأمر الذي سيؤدي بشكل محتوم إلى غياب أي تعاون بين إيران والأسرة الدولية لمعالجة ملفات ساخنة ، مثل العراق وسوريا واليمن ،حيث لكل من الطرفين نفوذ مباشر أو مؤثر على مجرى الإحداث .
لقد عبرت واشنطن عن شكوكها ياستمرا ر قيام إيران بمساندة مجموعات تعتبرها الإدارة الأميركية إرهابية أو في أحسن حال ،تمارس نشاطا ضدها وعبر وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس بعد زيارته طهران عن شكوكه بإمكان حصول تطور سريع لسياسة إيران الدولية .
ما يحكم علاقة إيران بالأسرة الدولية هو غياب الثقة المتبادلة ، والثقة بالولايات تحديدا معدومة لدى المرشد الأعلى للجمهورية الذي لم يمح بعد من قاموسه وصف الشيطان الأكبر .
لا أحد يتوقع الآن أن ينسحب هذا الاتفاق على ترتيبات جديدة آو على شراكة جديدة تغير موازين القوى في الحرب الدولية على الإرهاب. لقد انخرطت إيران سابقا بحكم الواقع وبالتقاء المصالح في وجه الإضرار المشتركة في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" والمجموعات المتطرفة والتقت بهذا مع دول غربية .ولكن معادلة التلاقي بحده الأدنى على مواجهة الإرهاب، لم تتغير بعد.
فما تريده إيران من دول نفوذها الحالي يتضارب مع ما تريده الولايات المتحدة انو بالأحرى يتلاقى عند نقطة خلاف وهي أن كلا منهما يريد نفوذا له ولكنه نفوذ مناقض للأخر.
إيران لا تبحث عن مصدر النفط في العراق وواشنطن شنت حربها على هذا البلد للاستئثار بنفطه.. إيران لا تريد تغيير النظام السوري حليفها في المنطقة ورأس حربتها في شعار تحرير القدس وإزالة إسرائيل بينما تضع واشنطن بين أولوياتها إزالة أي تهديد لإسرائيل . طهران مستمرة بدعم حزب الله ركن ثورتها المصدرة وواشنطن تعتبره منظمة إرهابية .
ماذا يبقى من مفعول الاتفاق النووي على الساحة الدولية ؟؟ وهل يحد الاتفاق من القدرات النووية الإيرانية بشكل كافٍ؟
حتى لو استنتجنا وفق ما أكده الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن هذا الاتفاق يقيد بما يكفي البرنامج النووي الإيراني وأنه أفضل من البدائل الأخرى القابلة للتطبيق، يُطرح سؤال هام آخر للنقاش، وهو: ما هي تداعيات الاتفاق على الإستراتيجية الأمريكية الكبرى؟
حتى لو استنتجنا وفق ما أكده الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن هذا الاتفاق يقيد بما يكفي البرنامج النووي الإيراني وأنه أفضل من البدائل الأخرى القابلة للتطبيق، يُطرح سؤال هام آخر للنقاش، وهو: ما هي تداعيات الاتفاق على الإستراتيجية الأمريكية الكبرى؟
في حالة إيران، لا يبدو الاتفاق مكمّلاً للإستراتيجية الأمريكية بل انقلاباً عليها. فبعد سنوات من معارضة النظام الإيراني، تسعى اليوم واشنطن إلى التعاون معه - وربما أيضاً إلى تقوية تلك الدولة التي يعتبرها بعض حلفاء أمريكا التهديد الأكبر لهم. فبموجب هذا الاتفاق، قد تقبل الولايات المتحدة بالتوسع التدريجي لجهود إيران النووية. وسوف ترفع واشنطن العقوبات بشكل شامل بعد أكثر من ثلاثة عقود من العمل على زيادتها. وسوف تُسهل الولايات المتحدة نقل الأموال إلى الجهات الإيرانية بعد سنوات من محاولتها التصدي لها. وكل ذلك يبدو بمثابة انقلاب حاد على الإستراتيجية.
إزاء الضمانات التي تعطيها الولايات المتحدة بعدم تغير الإستراتيجية الأمريكية الإقليمية التي تتمثل بتقوية الحلفاء والتصدي للمفسدين في آنٍ معاً، قد يميل الحلفاء أمثال إسرائيل والدول العربية السنية إلى الاستنتاج بوجود أجندة خفية في أعمال واشنطن أكثر من الوثوق بأقوالها ، ويعتبرون أن الاتفاق يتضارب مع - بدلاً من أن يُكمِل - إستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط وتوطيد أمن الحلفاء.
وفي ضوء هذا التنافر الظاهري، فإن الإصرار على أن الإستراتيجية الأمريكية لم تتغير لن يطمئن أو يقنع أحداً.
وتعديل الاتفاق لإعادة فرض العقوبات أو نقضه بعد بدء التنفيذ سيكون صعباً ، إما ترك المسائل الإستراتيجية الكبرى التي لا تدخل في الاتفاق الآن لكي تعالجها الإدارة الأميركية المقبلة فلا ينم عن مسؤولية.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك