نوبل يذكر سياسيي تونس الحاليين بضرورة تغليب المصلحة العامة
نشرت في: آخر تحديث:
كثيرة هي دلالات منح تونس جائزة نوبل للسلام هذا العام، ومنها أن مسار "الربيع العربي" مخاض عسير يحتاج إلى جهود مستمرة وعمل جماعي من شأنه استبدال البذور التي تولد التطرف والحروب الأهلية والتهجير ببذور أخرى تصلح للتصدي للفقر والتهميش وتطلق الألسنة وتزيل الخوف عند الناس حتى يبتكروا.
وقد جاء توقيت منح التونسيين هذه الجائزة في ظرف بدأ فيه التونسيون يتذمرون من عجز الطبقة السياسية الحالية عن إيجاد منهجية عمل هادئة ومجدية قادرة على تجنيب تونس احتمال حصول انتكاسة.
وصحيح أن تونس لا يزال يضرب بها المثل حتى الآن في قدرتها على تطويق أزمات كثيرة مرت بها البلاد منذ قيام الثورة في عام 2011. ومع ذلك، فإن العنصر البارز اليوم في أداء الطبقة السياسية الحالية التي تتولى مقاليد الحكم في هذا البلد أو تقف في صفوف المعارضة هو عجزها عن الاتفاق على منهجية هادئة لمحاولة إنجاح المرحلة الحالية الحرجة في المسار الانتقالي الديمقراطي التونسي من خلال الحرص على المصلحة العامة لا عبر التركيز في العمل السياسي على حسابات شخصية أو حزبية ضيقة. وهذا أمر ضروري لتفعيل آليات مؤسسات الدولة الجديدة والدستور الجديد.
وواضح من خلال هذا العجز في حال استمراره حتى لبضعة أشهر فقط، أنه قد يتحول بسرعة إلى قنبلة تنسف آمال التونسيين في فتح صفحة جديدة في علاقتهم مع مؤسسات الدولة وسياسييها بكليتهم. فمحاولة اغتيال رضا شرف الدين عضو مجلس "نواب الشعب" (البرلمان) يوم الثامن من شهر أكتوبر- تشرين الأول الجاري في مدينة سوسة يعيد طرح أسئلة كثيرة خطيرة لا تزال تشكل وقود هذه القنبلة الموقوتة. ولا تزال الطبقة السياسية كلها عاجزة عن الرد عليها بشكل شفاف.
ومن هذا الأسئلة تلك التي تصاغ على الشكل التالي: من هي الأطراف التي لديها مصلحة في استخدام الإرهاب لمحاولة تصفية الشخصيات السياسية التي تفرزها صناديق الاقتراع أيا تكن توجهاتها السياسية والفكرية للمرور من منطق الثورة إلى منطق دولة القانون؟ من يقف وراء مقتل المعارض اليساري شكري بلعيد والنائب السابق في المجلس التأسيسي محمد البراهمي عام 2013 ؟ من هي الأطراف التي تتهم من حين لآخر في وزارة الداخلية التونسية بالضلوع في عمليات ومشاريع هدفها الإبقاء على البلاد في حالة عدم استقرار؟
وطالما لم تبذل الطبقة السياسية التونسية برمتها جهدا للرد على هذه الأسئلة بشكل يقوم على الهدوء والحجج الدامغة، فإن تونس – على أهمية المكاسب التي حققتها الثورة حتى الآن – تظل معرضة لاحتمال انتكاسة ستكون عواقبها وخيمة على التونسيين، كل التونسيين وعلى الذين لا زالون متفائلين في هذا البلد وفي العالم كله بمستقبل ما يسمى " الربيع العربي".
إن الطبقة السياسية التونسية تبدو اليوم عاجزة حتى عن استخدام الحدود الدنيا من منهجية العمل السياسي في إطار مؤسسات الدولة الجديدة. وهذا ما يتضح مثلا من خلال الجدل الصاخب في البلاد حول مشروع قانون المصالحة المالية والاقتصادية والذي تحول إلى تصفية حسابات بين الأحزاب الحاكمة من جهة وأحزاب المعارضة من جهة أخرى مما ساهم في تغذية أزمة انعدام ثقة التونسيين بالطبقة السياسية بشكل مبكر جداً، لأن غالبية التونسيين كانت تتفاءل خيرا بالعهد الجديد. ولكن أداء سياسيي البلد يذكرها بشكل متكرر أكثر من اللزوم بتقاليد العهد السابق وممارساته.
ومن مفارقات المشهد السياسي التونسي اليوم أن الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب " حركة النهضة" الإسلامي ينظر إليه لدى كثير من المواطنين الذين لا يشاطرونه بالضرورة مرجعيته في التعامل مع السياسة بوصفه شخصية قيادية تتعامل بحرفية مع العمل السياسي ومن منطلقات تبدو مواقفه من خلالها أكثر حرصا على مصلحة البلاد العليا مما هي عليه الحال لدى كثير من الشخصيات القيادية الأخرى في أحزاب الحكم أو المعارضة.
مختصر القول إن الرموز التي تحملها جائزة نوبل للسلام بإمكانها اليوم أن تحمل الطبقة السياسية التونسية بيمينها ويسارها، بأغلبيتها الحاكمة ومعارضيها على الاقتناع بأن تجاوز الفترة الانتقالية الحالية يمر حتما عبر منهجية عمل تقوم على التوافق والحوار وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة على غرار ما فعلت الأطراف التونسية الأربعة التي كافأها "نوبل" عندما كانت تونس عام 2013 على حافة حرب أهلية. وهذه الأطراف هي الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك