يعجب كثير من الخبراء المتخصصين في ملف ما يسمى" الجنان الضريبية" والناشطون في المنظمات الأهلية التي تعنى بالفساد في العالم للجدل الواسع الذي أثاره نشر الوثائق المسربة حول لجوء آلاف الأشخاص إلى بنما لإثبات أنهم أودعوا أموالا لم يدفعوا عنها الضرائب أو تعمدوا إخفاءها بعد دفع الضرائب الموظفة عليها.
ويلح هؤلاء الخبراء والناشطون على ثلاث نقاط تبرر حسب رأيهم وجه الغرابة في الجدل المذكور وما يعتبره البعض "صدمة" أوقعتها عملية الكشف عن هذه الوثائق. ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
أولا : أن الشبهات والمعلومات حول لجوء الشخصيات السياسية وغير السياسية التي وردت أسماؤها في ما سمي " وثائق بنما " معروفة في غالبتها من قبل. وكل ما تضيفه الوثائق أنها تؤكد الشبهات ولا تناقض ما كان معروفا من قبل.
ثانيا : أن هناك تضاربا كبيرا بين ما يعلنه قادة بلدان غربية منها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى حول إصرارهم على وضع حد للجنان الضريبية من جهة، والإجراءات الفعلية التي اتخذوها أو لم يتخذوها والتي تغذي منطق الجنان الضريبية من جهة أخرى. وفي هذا السياق يذكر خبراء الجنان الضريبية بأن جنة الجنان الضريبية ليست بنما على عكس ما يقال، بل هي ولاية ديلاوير الأمريكية وبأن بريطانيا العظمى لا تزال حتى اليوم تغض الطرف عن مجموعة من جزرها تحولت إلى جنان ضريبية ولا تزال حريصة على أن تظل لندن عاصمة أوروبا المالية حسب مواصفات وقواعد يذكر جزء هام منها بمواصفات اللعب في الكازينوهات وقواعده.
وأما النقطة الثالثة والأهم بين النقاط الثلاث التي يلح علها اليوم خبراء الجنان الضريبية والناشطون في المنظمات التي تعنى بملف ظاهرة الفساد، فهي أن الجنان الضريبية الفعلية لا تعد بالعشرات أو بالمئات بل بملايين انطلاقا من روح المقاييس العالمية التي تعتمدها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لتحديد مفهوم الجنان الضريبية. وأهمها أن هذه الجنان سلوك عام وليست جزرا ولا مدنا ولا مصارف، وأن من أهم مواصفات الراغب في الدخول إليها ألا يدفع الضرائب على أمواله أو ممتلكاته غير المالية وأن يلتزم بعدم الشفافية في ما يحمله معه إلى هذه الجنان وأن يكون متخصصا في التحايل على الطرق التي يجمع من خلالها أموالا ويثريها.
هذه المواصفات نجدها اليوم بأشكال مختلفة في غالبية البلدان النامية والبلدان ذات الاقتصادات الناشئة والبلدان المتقدمة وفي الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية. وليست حكرا على الملوك والرؤساء والوزراء ورجال الأعمال والنجوم بل هي أيضا سلوك يمكن تلمسه بسهولة حتى عند الناس العاديين.
ويخلص خبراء كثيرون من أولئك الذين تخصصوا في الجنان الضريبية وفي ملف الفساد إلى استنتاج مفاده أن الحد من هذه الجنان يبدأ قبل كل شيء بإرساء سياسية جبائية شفافة وعادلة تطبق على الملوك والرؤساء والوزراء والنجوم والمواطنين العاديين.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك