فرض المعطى الإسلامي نفسه في العشريات الأخيرة ليس فقط كمادة إعلامية بل أيضا كمادة علمية صدرت في شأنها العديد من المقالات والكتب. وبحكم ارتباط الموضوع بالأوضاع السياسية العامة وخاصة بمسألة الإرهاب، فإن الرأي العام الأوروبي وحتى العربي أصبح يتابع ما ينشره المتخصصون في هذا المجال. كما أن الباحثين أنفسهم أصبحوا تحت ضغط انتظارات المتابعين والسياسيين كي يقدموا زبدة أفكارهم حول الموضوع. ومن هنا جاء الضغط كذلك على بعض العلوم الاجتماعية ومنها خاصة علم الاجتماع كي يقدم إجابات ملموسة تمكن من تصور حلول ومخارج.
ومن نتائج ضغط الرأي العام والحاجة الملحة للفهم أن أصبحت العلوم الاجتماعية وكأنها طرفا في المشكل من خلال اتهامها بالسقوط في التبرير من خلال التفسير كما ورد في إحدى تصريحات رئيس الحكومة الفرنسي السابق مانويل فالز.
ولكي نقترب أكثر من هذا الإشكال، سنحاول أن نعطي مثالا من خلال حالة لبس الحجاب في فرنسا. إذ تحاول بعض الدراسات التمايز عن النظرة السائدة التي تجعل من الحجاب ممارسة مفروضة من طرف العائلة وذلك عبر إعطاء الأولوية للعمل الميداني مع البنات المتحجبات لمعرفة رأيهن. وتجمع أغلب هذه الدراسات على أن هؤلاء الفتيات المسلمات اخترن عن طواعية الحجاب ومن باب الحرية ومن أجل التأكيد على شرفهن في مواجهة التحرش الجنسي والاعتداءات الذكورية. كما أن الاحترام السلوكي والالتزام المظهري مفروض خاصة على المرأة المسلمة.
يمكننا أن نعتبر ذلك من باب التفسير الموضوعي العلمي الذي لا يصل مستوى التبرير. غير أن المشكل هنا ليس في وجود التبرير من عدمه بل في الاكتفاء بحد معين من التفسير يجعل باب التأويل مفتوحا على كل الاحتمالات. إذ لو ذهبنا أبعد في التحليل للاحظنا أن مبررات لبس الحجاب لدى بعض المراهقات متأتية في أغلبها من أفكار كتاب ودعاة إسلاميين تزخر بهم مواقع الأنترنت والمكتبات. أي أن خطاب هؤلاء البنات حول الحجاب ليس خطاب فاعلين اجتماعيين بل هو خطاب من تأثرن بالدعاية الإسلامية للإسلام السياسي. وهذا يعني أن موضوع البحث يتغير تماما. فبعد أن كان الموضوع تفسير الحجاب كممارسة حرة وكخيار فردي يصبح الموضوع الأهم هو البحث في أسباب هيمنة فكر الإسلام السياسي على أحياء المهاجرين في فرنسا وفي أوروبا.
إن تغييب هذا البعد العام المتمثل في الدعاية الإسلامية وما تمثله من خطر أحيانا على التماسك الاجتماعي هو الذي يجعل من التفسير يقف عل أبواب التبرير أحيانا.
عادل اللطيقي
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك