سن القوانين أفضل بكثير من عدم إرساء منظومة قانونية في هذا البلد أو ذاك حتى إذا طبقت هذه القوانين بشكل جزئي أو خاطئ. والحقيقة أن أصحاب هذا الطرح يستدلون على صوابه حسب رأيهم بالقول بأن باذلي الجهود الرامية إلى تعزيز قيم العدل والمساواة يفضلون أن تدرج جهودهم في إطار قانوني بدل أن يتحكم فيها الارتجال.
ولكن إرساء الأطر القانونية ليس كافيا لتعزيز مفهوم المواطنة وهو مثلا حال تونس التي تسعى منذ عام 2011 إلى القطع مع منطق الاستبداد بمختلف أشكاله. ويتجلى ذلك مثلا من خلال ما أثاره قبل أسابيع الاعتداء على طلبة من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء من جدل ليس جديدا حول تعامل تونس السياسي والاجتماعي والثقافي مع التونسيين ذوي البشرة السوداء.
والواقع أن تونس سباقة في البلدان المنتمية إلى العالمين العربي والإسلامي إلى سن قانون واضح ينهي العبودية ويمنع تجارة الرق. وحصل ذلك يوم 23 من يناير/ كانون الثاني عام 1846 أي قبل مائة وإحدى وسبعين سنة.
وكان وراء سن هذا القانون باي من بايات تونس اسمه أحمد باشا باي أو أحمد باي الأول. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا الباي استمد مجموعة من الإصلاحات التي قام بها من مبادئ الثورة الفرنسية وقميها وأن والدته كانت في الأصل جارية من جواري جزيرة سردينيا الإيطالية.
وبقدر ما يفاخر التونسيون اليوم بهذا الإنجاز المتمثل في إلغاء العبودية قبل مائة وإحدى وسبعين سنة بقدر ما يجدون صعوبة في الإقرار بأن سن هذا القانون لم يحل دونهم ودون الاستمرار في التعامل مع التونسيين ذوي البشرة السوداء بشكل لا يزال يذكر أحيانا بمنطق الرق والعبودية.
ولا يزال كثير من التونسيين يستخدمون عبارة "كحلوش" في إشارة إلى ذوي البشرة السوداء من التونسيين وغير التونسيين.
وقد لوحظ خلال الجدل الذي لايزال مستمرا حول شكاوى عدد من الطلبة الأجانب الدارسين في الجامعات التونسية والقادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بشأن سلوكيات ذات طابع عنصري أن النخبة ذاتها تستخدم أحيانا عبارة الطلبة الأفارقة في الحديث عنهم كما لو كانت تونس بلدا غير إفريقي.
وهناك قناعة لدى كثير من الباحثين في علوم الاجتماع بأن أحد المشاريع الاستراتيجية الكبرى المطروحة في تونس ما بعد الثورة يتمثل في إرفاق الأطر القانونية المرجعية الجديدة التي من شأنها تعزيز الديمقراطية بثورة في العقول حتى لا يشعر التونسي ذو البشرة السوداء أنه مواطن من الدرجة الثانية وحتى يفاخر أهل تونس بأنهم كانوا سباقين إلى ما يسمى اليوم العالمين العربي والإسلامي في مجال التخلص من أشكال العبودية القديمة والحديثة أيضا.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك