المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والروسي فلاديمير بوتين في قصر فرساي في ختام محادثاتهما، أثار الكثير من التساؤلات، إن لم نقل دهشة الصحفيين، ووصف البعض هذا المؤتمر الصحفي بمباراة ملاكمة دبلوماسية، تمسك خلالها الرئيسان بالحفاظ على خطوط الرجعة.
أول لقاء بين الرئيسين بعد انتخاب إيمانويل ماكرون كان، على ما يبدو، لتصفية الحسابات، ويجب القول إن الحسابات بين الإليزيه والكرملين كانت ثقيلة ومتعددة، حيث تصاعد التوتر الدبلوماسي بين الجانبين على مدى فترة الرئاسة السابقة في عدة ملفات دولية، أبرزها سوريا وأوكرانيا، ويبدو من الواضح أيضا، أن ماكرون ذهب إلى آخر الطريق في هذه التصفية وبصراحة شديدة ودون إهمال أي من نقاط الخلاف.
هذا لا يعني أن الرئيسين لم يسعيا إلى هذا اللقاء الذي يحقق مصالح الرجلين، ماكرون يريد تأكيد مكانته كرئيس جديد على الساحة الدولية، وكان من الضروري، بعد لقاءاته بميركل وبترامب، أن يلتقي ببوتين، والرئيس الروسي يعاني بالفعل من العزلة الدولية المفروضة عليه، واستقباله في فرنسا، وفِي قصر فرساي يشكل خطوة هامة لكسر هذه العزلة.
بالتالي لم تكن هذه المحادثات لعقد اتفاقات أو تطوير تعاون ما، وإنما لفتح الملفات ورصد نقاط التقاطع ونقاط الافتراق، والملف الأساسي الذي اتفق عليه بوتين وماكرون هو مكافحة الإرهاب في مختلف أرجاء العالم، وخصوصا في مناطق تواجده الرئيسيّة، أي سوريا والعراق.
ماكرون وبالرغم من لهجته الحازمة ووجهه المتجهم، إلا أنه قام بتغيير كبير في الموقف الفرنسي تجاه سوريا، مقتربا من الموقف الروسي، فلم تعد أولوية فرنسا في سوريا هي التوصل إلى حل سياسي وإنما مكافحة الإرهاب، وعلى العكس من الرئيس السابق لم يستبعد الحديث مع ممثلين عن النظام السوري.
أيضا فيما يتعلق بالملف الأوكراني، والذي يبدو أنه كان محورا رئيسيا في حديث الجانبين، وضع الرئيس الفرنسي ملامح طريق للخروج من الأزمة بالحديث عن اتفاقية مينسك التي لم يحترمها الطرفان الروسي والأوكراني وبالإعلان عن اجتماع جديد يجمع الطرفين مع فرنسا وألمانيا على طريقة محادثات النورماندي، وهو ما التقطه بوتين فورا لإدانة العقوبات المفروضة على روسيا والمطالبة بإلغائها، ويجب القول إنه طلب يلقى آذانا صاغية في فرنسا التي تضررت تبادلاتها التجارية كثيرا بسبب هذه العقوبات.
الرئيس الفرنسي الجديد وجه رسائل عديدة في هذه المحادثات، أولها لروسيا، بطبيعة الحال، ولكنه وجه رسالة إلى الرأي العام الفرنسي قبل أيام من انتخابات تشريعية ستحدد مصير ولايته الرئاسية أراد أن يؤكد فيها على قدرته على التعامل مع شخصيات قوية كبوتين، كما وجه رسالة إلى الرئيس الأمريكي ترامب تعتبر استكمالا لما حدث في لقائهما.
ولكن الرسالة الأهم جاءت في إطار حديثه عن رد فرنسي فوري على استخدام أي طرف للأسلحة الكيميائية في سوريا، حيث وضع باريس كعنصر فاعل خارج التحالف الدولي، وخارج إطار القوى المتصارعة على الساحة السورية، ربما لأن اللعبة القائلة بأنني طرف مستقل خارج إطار الصراعات أتت بثمارها في الانتخابات الرئاسية، ولم لا يحاول تجربتها على الساحة الدولية.
يبقى، وبعد كل ذلك، أننا شاهدنا عملية رسم لسياسة مستقبلية، وما زال أمام الرئيس الفرنسي المنتخب أن يحصل على الأغلبية البرلمانية اللازمة لتطبيق هذه السياسية، وغيرها من السياسات المعلنة.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك