أثارت التغريدة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فور وصوله إلى باريس للمشاركة في الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى، الكثير من الجدل، وأدت إلى توتر الأجواء مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائهما الأول.
ترامب الذي انتقد بشدة تصريحات ماكرون بشأن بناء جيش أوروبي حقيقي، أبرز، عمليا وبصورة واضحة، طبيعة الخلاف الأمريكي الفرنسي فيما يتعلق بالحلف الأطلسي والدفاع الأوروبي، ذلك أن دعوة الرئيس الفرنسي إلى بناء دفاع أوروبي مشترك ومستقل، والذي وصفه ماكرون بجيش حقيقي يحمي الأوربيين من كافة الأخطار، بما في ذلك الولايات المتحدة، قابلته مطالبة نظيره الأمريكي بأن تسدد الدول الأوروبية مشاركة مالية أكبر في ميزانية الحلف.
يبقى أن رؤية الرئيس الفرنسي لا تلقى آذانا صاغية في برلين والعديد من العواصم الأوروبية الأخرى، التي ترى أن البقاء في إطار الحلف الأطلسي هو الوضع الأمثل لضمان أمن القارة، أضف إلى ذلك صراعا في الكواليس على قيادة عملية الدفاع الأوروبي بين فرنسا وألمانيا، ألمانيا التي قطعت، بالفعل خطوات لتنفيذ استراتيجيتها عبر برامج تعاون لتطوير التجهيزات العسكرية مع دول أوروبية أخرى، بصورة تلائم البقاء في إطار الحلف.
وتنبغي الإشارة إلى أن قيام ماكرون بتصفية الأجواء مع ضيفه الأمريكي، لم تدفعه للتراجع عما قاله من أن الخطر على أوروبا، من الممكن، أن يأتي، أيضا، من الولايات المتحدة، والأمر مرتبط بهجوم الرئيس الفرنسي الشديد على صعود التيارات القومية، وبروز النزعات الانعزالية التي تحصر استراتيجية العديد من قادة العالم في المصالح الضيقة والمباشرة لبلدانهم، بعيدا عن أي رؤية شاملة.
وتحديدا، فإن ما يثير قلقا كبيرا في أوروبا، هو انسحاب ترامب من مختلف الاتفاقيات وأشكال التعاون الدولي الرئيسية، بدء باتفاقية باريس للمناخ ومرورا بالاتفاقية النووية مع إيران، والأهم من كل ذلك، هجوم الرئيس الأمريكي القوي ضد منظمة التجارة العالمية والحرب التجارية التي يشنها ضد حلفائه وخصومه.
يرى الأوربيون، وخصوصا الفرنسيون، أن البيت الأبيض يهدد بذلك أسس العولمة الاقتصادية، والتي يؤمنون أنها كانت ضمانة الاستقرار والسلام في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وأنهم لا يستطيعون، بالتالي، التعامل مع واشنطن كحليف موثوق.
حتى الآن، لا زالت مؤسسات الدولة الأمريكية المختلفة، بدء من وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات وحتى وزارة الخارجية والبنك الاتحادي، تشكل صمام أمان، في نظر الأوربيين، أمام اندفاع ترامب في المساس بتحالفات الولايات المتحدة.
ولكن الموقف الفرنسي يأتي بصورة منطقية من البلد الذي تولى الدفاع عن نفسه منذ الحرب العالمية الثانية، ولم يلتحق بالبنية العسكرية للحلف الأطلسي إلا في عهد نيكولا ساركوزي.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك