"أمامنا الآن منبج وشرق الفرات والمسلحون سيدفنون في خنادقهم" هذا ما أعلنه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في الدوحة، بشأن المسلحين الأكراد في شمال سوريا، ويأتي هذا التصريح بعد سلسلة متلاحقة، وخلال بضعة أيام، من التصريحات والمواقف الإقليمية والدولية التي قلبت العديد من الموازين في الملف السوري.
حديث الوزير التركي لا يشكل مفاجأة من حيث المضمون، ولكن من حيث عنف التعبير، فأنقرة كانت قد أعلنت عزمها على شن هجوم على القوات الكردية في شمال سوريا في وقت قريب، قبل أن يقوم الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة مفاجأة إلى دمشق، يبدو أنه حمل خلالها رسالة سعودية إلى نظيره السوري بشار الأسد، تتعلق بالمواقف السعودية والخليجية من النظام السوري خلال المرحلة المقبلة.
ولكن المفاجأة التي قلبت الموازين، فجرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلانه عن سحب القوات الأمريكية من الأراضي السورية، وإفساح المجال، بالتالي، أمام الجيش التركي للقيام بعمليته ضد الأكراد، واللافت هو تزامن القرار الأمريكي مع قرارات باعتماد صفقتين للصواريخ لصالح تركيا، الأولى أمريكية لبيع أنقرة صواريخ باتريوت، والثانية روسية وتتعلق بصواريخ إس 400، واتفقت واشنطن وموسكو على أنه لا تعارض بين الصفقتين، وإيران، التي قدمت ثمنا كبيرا لكي تكون لاعبا أساسيا على الساحة السورية، يزور رئيسها روحاني أنقرة، في ذات اللحظة، بعد أيام من مشاورات استكهولم والتي تبدو كخطوة أولى على طريق حل سياسي على الساحة اليمنية، لا يبدو أنه سيكون في مصلحة السعودية.
ومن الصحيح أن أوروبا تعترض على الانسحاب الأمريكي من سوريا، ولكن بين البريكسيت البريطاني وانسحاب ميركل المبرمج من منصبها وسترات ماكرون الصفراء، يبدو أن الصوت الأوروبي خافت للغاية على الساحة الدولية، حاليا.
كل هذا يطرح السؤال، عما إذا كانت واشنطن وموسكو قد اعتمدتا أنقرة كالوكيل الرسمي والوحيد في هذه المنطقة؟
وإذا كان الكثير من المراقبين يرون في ذلك انتصارا لأردوغان ونتيجة لاستثماره الذكي لقضية مقتل خاشقجي، إلا أن قتل صحفي، وبأي طريقة كانت، لم يغير أبدا السياسات الدولية للقوى العظمى، وإنما يجب البحث عن أسباب فقدان السعودية لمصداقيتها كقوة إقليمية رئيسية، في عجزها عن الحسم العسكري في اليمن وفي سوريا وفي تعثر صفقة القرن بالرغم من القدس التي قدمها ترامب لنتانياهو، وعجز مجلس التعاون الخليجي عن حل أزماته الداخلية.
ربما كانت تركيا تشكل حلا إقليميا، ولو مؤقتا، لكل من روسيا والولايات المتحدة، بانتظار نضوج أشكال أخرى مثل الجنين الذي يسمى بمجموعة الدول المشاطئة للبحر الأحمر، أو الدول الواقعة على البحر الأحمر، والذي قد يسمح بالعودة إلى صفقة القرن، خصوصا وإن إسرائيل تقع، بدورها على البحر الأحمر.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك