"الحكومات والرؤساء لا يتم تغييرهم عبر الواتساب والفيسبوك، وإنما عبر الانتخابات"، هذا ما أعلنه الرئيس السوداني عمر البشير، ساخرا من حركة الاحتجاج التي تطالب برحيله، والتي تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي لتنظيم المظاهرات المستمرة، يوميا، منذ عدة أشهر.
وبصرف النظر عما يدور في عقل الرئيس السوداني ورؤيته لشبكات التواصل الاجتماعي، فإن ما قاله صحيح، وتغيير الحكومات والرؤساء يتم، بالفعل، عبر الانتخابات، ولكن نضيف إلى ما قاله، أنه يمكن، أيضا، تغيير الحكومات والرؤساء عبر الثورات والانتفاضات، والأمثلة كثيرة، ودون الذهاب بعيدا عن المنطقة العربية.
المهم، هو محق في أن هذه الشبكات لا تغير رؤساء أو حكومات في حد ذاتها.
وإلى الشمال من السودان وفِي القاهرة، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أثناء ألمؤتمر الصحفي مع نظيره الفرنسي، "إن مصر لن يبنيها المدونون"، هنا، أيضا، مقولة السيسي صحيحة نسبيا، ولكن مع الكثير من التحفظات.
والأمر لا يقتصر على البلدان العربية أو بلدان العالم الثالث، ذلك إن فرنسا، التي تعيش أزمة السترات الصفراء، يمضي وزراء حكومتها والسياسيون عموما وقتهم في الهجوم على شبكات التواصل الاجتماعي واتهامها بإثارة الحقد والكراهية بين الفرنسيين، والسماح لمستخدميها بتوجيه الشتائم البذيئة والهجمات غير المبررة ضد الآخرين.
ملاحظات طريفة للغاية، لأنها تتعلق بأحكام سلبية ومشابهة، إن لم نقل متطابقة، يشترك فيها رئيس سوداني، مصري وفرنسي، فهل يعني ذلك أنها صحيحة؟
بكلمات بسيطة يحول هؤلاء الرؤساء وحكوماتهم شبكات التواصل الاجتماعي إلى فاعل اجتماعي وسياسي، لأن مواجهتها أسهل وأبسط بكثير من مواجهة مواطنيهم، ذلك إن البشير محق في أن هذه الشبكات لا تغير الحكومات، ولكن المواطنين يفعلون ذلك عبر صناديق الاقتراع أو عبر الحركات الاحتجاجية والثورات، وينبغي بالتالي أن يكون حديثه عن مواطنيه، وليس عن وسائل التواصل التي تربط هؤلاء المواطنين.
والسيسي محق، نسبيا، في أن المدونين لا يبنون بلدا، ولكنهم إحدى الفئات التي تبني البلد والرأي العام وتثير الحوار والأفكار، وكل منهم يمارس، في الوقت ذاته، مهنة سواء طبيب أو مهندس أو عامل ... الخ، أي أنه يساهم، عمليا، في بناء البلد على مستويين وبصورة مزدوجة.
وبالنسبة لماكرون، فإن السترات الصفراء وما يطلبونه يشكل عقدة كبيرة، وتحويل الأنظار نحو شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن يساعده على تشتيت الأنظار والخروج من الأزمة.
الهروب من أزمات واضحة المعالم والخصومة مع مواطنيهم إلى الإنترنت كعدو، يجهل رجل الشارع البسيط أغلب تداعياته وأنماط عمله، هو حل مثالي.
بعيدا عن كل هذا الجنون والتلاعب بالرأي العام، وبكلمات بسيطة، شبكات التواصل الاجتماعي هي مجرد أدوات اتصال وحوار العصر، التي تتجاوز أشكال الحكم وأنماط الفكر السياسي المتهالكة، ولكنها لا تغير رئيس أو حكومة وإنما الشعوب تفعل، وهذا شيء لم يتغير.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك