في التقرير الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية في فبراير –شُباط عام 2018 حول ظاهرة الفساد على المستوى العالمي، اتضح أن أكثر من ثُلثي بلدان الكرة الأرضية لا تزال تعاني من ظاهرة الفساد لاسيما في ما يخص أداء القطاع العام المتصل بالعملية التنموية.
وصحيح أن البلدان العربية التي تراجعت فيها عملية التصدي لهذه الظاهرة واستفحل الفساد فيها في الوقت ذاته هي بلدان تشهد منذ سنوات عديدة حروبا وعدم استقرار. وهو مثلا حال الصومال وسوريا واليمن. وصحيح أيضا أن وضع المنطقة العربية بشكل جماعي حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية أفضل إلى حدٍّ ما من وضع مناطق أخرى في العالم. ومن هذه المناطق إفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى. ومع ذلك فإن تقارير هذه المنظمة الدولية المستقلة تخلص كلها منذ عام 1995 إلى أن الفساد لايزال مستشريا في البلدان العربية كلها برغم تفاوت جهود التصدي له من بلد إلى آخر.
أموال الفساد والتنمية
ولابد من التوقف هنا عند استنتاجين اثنين مهمين واردين في تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية السنوي الذي تم الكشف عنه في شهر نوفمبر –تشرين الثاني عام 2018 حول تمويل التنمية المستدامة في العالم العربي.
ويتمثل أحد هذين الاستنتاجين في استمرار بلدان عربية كثيرة تمويل مشاريع تُلحق ضررا بالتنمية المستدامة. وفي هذا الإطار تندرج عملية الاستمرار في الاستثمار في بلدان عربية غير نفطية وغير غازية في مصادر الطاقة الملوثة والحال أن الاستثمار في مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة في هذه البلدان أفضل بكثير على جيوب المستهلكين وخزينة الدولة والبيئة.
أما الاستنتاج الآخر فهو أن تكلفة الفساد تصل إلى 3 في المائة من الناتج المحلي العربي وأن أموال الفساد في العالم العربي تُقدر سنويا بقرابة تسعين مليار دولار وأن توظيف هذه الأموال في العلمية التنموية يمكن أن يساهم إلى حد كبير في سد العجز المالي المتعلق بتمويلات سنوية بقيمة مائة مليار دولار هي ضرورية كل عام حتى حدود عام 2030 لإنجاح المسار التنموي في المنطقة العربية.
المواطن شريك في التصدي للفساد
اللبنانية لتعزيز الشفافية " لا فساد" من المنظمات الأهلية العربية التي تُعنى بتحديد مواطن الفساد ولاسيما تلك التي تُعيق التنمية ومعالجتها. وقد بدأت جهودها تثمر من خلال الاستثمار في المواطن العربي نفسه والذي يصبح في كثير من الأحيان مضطرا إلى اللجوء إلى الفساد لقضاء شؤونه. كيف يمكن التخلص تدريجيا من هذا السلوك؟ طرحنا السؤال على أيمن دندش مدير المشاريع والبرامج الميدانية لدى هذه فقال إن الطرق التي يُغَذَّى من خلالها الفساد قد تطورت كثيرا خلال العقود الأخيرة بهدف محاولة التضبيب على الأطراف التي تسعى إلى التصدي لهذه الظاهرة ولمغذيها. وذكر أن منظمات المجتمع المدني المنخرطة في عملية التصدي للفساد قادرة اليوم على مساعدة المواطن على معرفة ما إذا كانت تكلفة ما يحتاجه لقضاء شؤونه اليومية تكلفة عادية أو أن هذا الجزء فيها أو ذاك لديه علاقة بمنظومة الفساد.
وأكد أيمن دندش لـ" مونت كارلو الدولية" أن الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية والتي هي الفرع اللبناني لمنظمة الشفافية الدولية تساهم عمليا من خلال الدورات التدريبية التي تنظمها لفائدة المواطنين في جعلهم طرفا فاعلا في التصدي للفساد. ويُذكِّر دندش على سبيل المثال بالدور المهم الذي قامت به الجمعية لحمل السلطات اللبنانية على التحرك ضد عمليات تحويل نهر الليطاني إلى مكب للنفايات ومياه الصرف الصحي.
أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فهو ينطلق اليوم من مبدأ أن كل جهد يصب في التصدي بنجاعة لظاهرة الفساد يخدم منظومة التنمية. وقد وضع آلية في تعامله مع الموضوع وفي تعاونه مع البلدان النامية بشكل خاص لمحاولة التصدي بنجاعة لهذه الظاهرة. ولديه اليوم شراكات مع السلطات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في المنطقة العربية لمقاومة الفساد بشكل ناجع.
هذا ما يحصل مثلا في تونس في مجال قطاع الصحة من خلال برنامج لترشيد استخدام الأدوية في صيدليات المستشفيات وتمكين المواطن من الاستفادة من الخدمات الصحية بعيدا عن مسالك الفساد. ويُنفَّذ هذا البرنامج في مدينة جندوبة الواقعة في الشمال الغربي وفي جزيرة جربة الواقعة في جنوب البلاد وفي تونس العاصمة.
ما تحدث عنه لـ"مونت كارلو الدولية" رئيس المستشارين الفنيين لمكافحة الفساد والنزاهة في المركز الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في البلدان العربية أركان السبلاني الذي شدد على ضرورة تجنب التساهل في إطلاق تهم الفساد على هذا الطرف أو ذاك دون الاستناد إلى حجج دامغة مثلما ينبغي أن يقوم التصدي للفساد على آلية متكاملة وناجعة.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك