نخصص حلقة اليوم للفيلسوف الفرنسي ميشال سير Michel Serres أحد آخر الفلاسفة الفرنسيين الكبار الذي رحل عن عالمنا مؤخرا ولمنجزه الفكري الضخم الذي تجاوز الستين كتابا. اشتهر سير بفكره الموسوعي الشامل على غرار الفلاسفة اليونانيين الكبار وبانفتاحه على مختلف حقول المعرفة والعلوم والآداب والفنون والتاريخ والتقنية. وأيضا على اهتمامه بمعضلات الراهن الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية وحضوره في وسائل الاعلام المختلفة للسجال والإدلاء برأيه بطريقة مبسطة جعلته الفيلسوف الأكثر شهرة في أوساط الجمهور العريض.
كتابه الأول الذي كان في الأصل أطروحته الجامعية تحت اشراف الفيلسوف الشهير غاستون باشلار نُشر عام 1968 بعنوان "نظام ليبنز ونماذجه الرياضية" خصصه للفيلسوف الألماني ليبنز وحلل منجزه باللجوء إلى المنهجية الرياضية وكان أول فيلسوف يستعمل مصطلح البنية في تحليل تاريخ الفلسفة وذلك كا دفع البعض الى تصنيفه في خانة التيار البنيوي في الفلسفة والعلوم الانسانية الذي كان موضة شائعة في الساحة الفرنسية آنذاك. غير أن سير في الواقع لم يكن بنيويا بقدر ما كان فيلسوفا يكسر الحدود بين الحقول المعرفية ويرفض الفصل بين تطور الفلسفة وانجازات العلوم الحقة. والواقع أن سير كان يكره الموضة والتقليعات في الفلسفة والفكر والأدب هو الذي قال مرة بسخرية: " إن الفيلسوف الذي يحترم نفسه عليه ابتداء من الثلاثين من العمر أن يتوقف عن قراءة ما يكتبه أبناء جيله". سير كان يعتبر نفسه "زبالا" في حقول الفلسفة والعلوم. كان يرفض صفة الفيلسوف أو المفكر المعتزل بين جدران المكتبة الغارق في المعضلات النظرية ويفضل صفة المؤول والوسيط الذي يتصدى لاشكاليات العالم الذي يعيش فيه والذي يكتب من الهامش وليس من المركز مثل هرمس الذي خصص له كتابا من خمسة أجزاء بين عامي 1969 و1980 ومن كتبه الأخرى: "أوغست كانط: دروس في الفلسفة الإيجابية" "العقد الطبيعي" "المناظر الطبيعية للعلوم" و"العلوم والرجل المعاصر" و"روايات صغيرة لمساء يوم الأحد" و"قصص عن الإنسانية" و"الإصبع الصغيرة" وهو الكتاب الوحيد الذي تمت ترجمته إلى العربية من طرف الدكتور عبد الرحمن بوعلي وتناول فيه سير الانتقال من الحضارة المكتوبة الى الحضارة الرقمية والتحديات التي تواجهها الأجيال الجديدة والمستقبلية وهو الكتاب الذي حقق انتشارا جماهيريا قلما تحظى به كتب الفلاسفة.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك