في ظلّ عصر العولمة والتعارف السهل عبر وسائل التواصل الحديث، شاعت ظاهرة فك الارتباط العاطفي عن طريق الاختفاء المُتعمّد بكبسة زرّ أو "بالوداع الصامت" بلا تفسير. أُعطيت تلك الظاهرة مصطلح «Ghosting» لتشبيه الانهاء الصارم للعلاقة ما بين صديقين أو ما بين حبيبين مقرّبين جدا بغدر الشبح الذي يغيب من دون كلمة وداع أو دموع أو تقديم مبررّات لفعلته، متجاهلا جميع محاولات الاتصال به عبر الهاتف.
يعلّل المحللون النفسيون فعلة القائمين بسلوك "الوداع الصامت" بأنّهم يقومون بتلك الأفعال خشية الاضطرار إلى المواجهة والعراك المُرْبك مع الحبيب أو الصديق. ويتّسمون بضعف نضوجهم العاطفي وبصحّة عقلية مضطربة ويفتقرون إلى مهارات التواصل التي تمنعهم من إنهاء علاقاتهم بطريقة لائقة ومحترمة.
ضمن بحث منشور مطلع عام 2018 في مجلّة Journal of Social and Personal Relationships، سعت الباحثة Gili Freedman إلى فهم المبررات الدافعة إلى سلوك "الاختفاء وانقطاع العلاقة بين ليلة وضحاها" وما إذا كانت على علاقة بالمعتقدات الفردية وبقدر المصير وبقدر النموّ والنضوج. طلبت Freedman من أكثر من 500 رجلٍ وامرأة تعبئة استبيانات كاملة تضمّ أسئلة تتعلّق بمسألة "الاختفاء المفاجئ" من قبيل: هل الوداع الصامت مقبول إذا كانت العلاقة قصيرة أو طويلة الأمد؟ هل اختبرتم هذا النوع من الانفصال أو مارستموه على أحد؟
بعد تحليل أجوبة الاستمارات التي تجدون خلاصتها على هذا الرابط https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/0265407517748791، اكتشفت Freedman أن حوالي ربع المشتركين وقعوا في الماضي ضحية سلوك الوداع الصامت بلا تفسير. وقسّمت Freedman المشتركين إلى فئتين من البشر: فئة تؤمن بالمصير وبالقدر وبأن بعض الأشخاص كُتب لها أن تبقى مع نفس الشريك طوال العمر، وفئةٌ أخرى تؤمن بالنمو والنضوج وتعتقد أن الأشخاص يتغيّرون حكما مع مرور الوقت ويعتمدون على سلوك "الاختفاء المُفاجئ" لمنع انحراف العلاقة نحو مسار شائك وصعب الخروج منه، لأنّهم بالعمق أشخاصا "راديكاليون" في طريقة تفكيرهم ويتذّرعون بأنّ لو كان مكتوب النجاح للعلاقة فستنجح من تلقاء نفسها ولو قدّر لها الفشل فسيكون الفشل لها بالمرصاد.
يعتبر الاختفاء المفاجئ عن الشريك شكلاً من أشكال القسوة العاطفية التي تلحق ضرراً كبيراً للطرف الثاني وتجعله يدمي من جرح نفسي مفتوح لأسابيع وأشهر طويلة. يخلق "الوداع المفاجئ بلا علم وخبر" لدى المرء المغدور سيناريوها من الغموض والتشكيك بنفسه لدرجة جلد الذات، لاعتبار نفسه هو السبب وراء ما حصل له. لذا، يحتاج الانسان الذي تعرّض لصدمة عاطفية تأتّت عن حادث إنهاء العلاقة المباغت أن يُبني من جديد ثقته بذاته وبالآخرين من خلال الرعاية النفسية الخاصّة، مستحضرا دائما في ذهنه أن الحياة لا تخلو من الصالحين والتعويل على شخص واحد لا تكون السعادة إلاّ معه هو كلام هراء بهراء.
ضيفة الحلقة باسكال خازن، الاختصاصية في علم النفس العيادي والمعالجة النفسية.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك